في رحاب الشطيبي(14)

بقلم: إدريس الزياتي – المغرب
آثر مصطفى أن يسلك الطريق الأطول لكنه الأفضل لمن مشى مسافة طويلة وأرهقه المسير، قدما إلى البلدة من مكان غير متوقع وصلا إلى البيت الذي كان في منحدر، يطلان عليه من عل ، تظهر منه فقط واجهة واحدة . كان الوقت قد جاوز الثانية عشرة ، دخلا من الباب الخلفي ، ليظهر لا حقا أنه الباب المخصص للضيوف أو الأغراب الذين لا يطلعون على البيت من الداخل، وقفا هنيهة على الباب ، ثم أشار في الجوار إلى بيت أصغر حجما غير مكتمل البناء وقال هذا بيت أخي الأكبر
قد تزوج فآثر نوعا من الاستقلال بشأنه وقد رزق بطفل وطفلة.
كان الجو مشمسا والوضع هادئا لا تسمع تلك الضوضاء المعهودة في البوادي والحركة التي تطبع ساكنيها، كأنه ليس بالجوار من أحد ، كل منشغل بما يعنيه، حتى ظن إدريس أنه ليس بالجوار من أحد نظر مستغربا، فذلك شيء لم يعهده من قبل.
نزعوا أحذيتهم ثم دلفوا إلى الغرفة التي لا تفصلها عن الباب الخلفي إلا مترا ونيف في ممر صغير ، على اليمين يظهر باب الغرفة التي تمتد في طولها أمتارا ستة على وجه التقريب ، يظهر أن لا أحد قد ولجها من فترة ، مرتبة كالعادة لمن سيأتي على حين غرة، نوافذها المتواضعة تطل على الخارج فقط تعلوها جرائد الدالية الخضراء لتعطيها جمالا وجاذبية
ألقى ادريس بنظر ه على الجدران فإذا لوحات صغيرة مكتوب عليها آيات من الذكر الحكيم ، سورة يس ، والفلق والناس ، وسجادتان للصلاة في الركن الأيمن كأنهما تدلان من يلجها على اتجاه القبلة ، بألوان مبهجة وأحجام غير معهودة، لعل الحاج قد جلبهما من مكة المكرمة عند زيارته الأخيرة لبيت الله الحرام يقول في نفسه .
اعتذر مصطفى لصديقه أن يغيب عنه لدقائق معدودة ، لم يكن بالبيت إلا والدته ، منشغلة في المطبخ ، غاب لبعض الوقت ثم عاد وقد طبعت على وَجهه ابتسامة وهو يقول هيا لتتعرف على الوالدة، نزلا من الغرفة مرورا بشرفة تطل على باحة البيت ، منها إلى درجات تقود إلى الأسفل ، حيث كانت والدته تنتظر على وجهها بدت آيات حب الاستطلاع، تقول في نفسها من هو هذا الصديق الذي رافقه من مكان بعيد ؟
قبل إدريس يدها وقد احمر وجهه من الخجل ، لطف مصطفى الجو قائلا هذا غير من هنا من الزاوية يدرس معي ونحن نقيم مع بعض في الداخلية كذلك ، هزت رأسها في ترحيب ، ثم خرجا من الباب الأمامي ليطلا على فضاء آخر مغاير تماما ، أشجأر التين والزيتون متربعة عليه قد كسته رونقا وجمالا .
خطى مصطفى خطوات نحو شجيرات التين الفتية التي تقف على اليمين من الباب ونظر الى الجهة السفلى قائلا : أنظر إلى هناك، هل ترى ذلك المنزل الذي يظهر وحيدا ؟ ذلك هو منزل خالي ، لعلنا نتعرف عليه في وقت لاحق ، ستسر بالحديث إليه ، رجل اجتماعي يحب الحديث إلى الناس والتعرف عليهم شغوف بالمعرفة والأخبار والسياسة، عصامي التكوين لم يلج قط مدرسة لكن الحياة معلمه الوحيد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ودونما سابق قرار، وجد علي نفسه رفقتها. يتجول عبر الزمان والمكان. المشاهد ليست بالغريبة عنه. ففي مثلها، بالجوار، ولد وترعرع. وأثث في ذاكرته آيات الخير، ومعالم الجمال. جنى التين مباشرة من الأم الشجرة. وارتوى من ماء ” العنصر ” وتنقل مرحا بين منازل الأحبة والجيران. بمناسبات الأعياد ومواسم الأفراح. خاصة عند عودته من الدراسة التي استلزمته التنقل إلى المدينة المجاورة. الأبواب مفتوحة، تنطق بالأمان والكرم.
    رفقتها، وجد علي نفسه أسير بحبوحة الحنين إلى البيت. وإلى سكان المدشر. وطقوسهم المفعمة بالبساطة وصدق معانقة الحياة.
    أجمل تحياتي أستاذ إدريس. وشكرا على استدراجي إلى لحظات جميلة. بسرد سلس، وتصوير بارع. ولك مطواعة كل أدوات الإبداع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: