في رحاب الشطيبي
إدريس الزياتي – المغرب
جاء دور مصطفى في الخدمة فأضحى السيد بفرح وهمة يؤدي واجبه ، كان الغذاء مميزا وفريدا، فقد أعدت والدته صيكوك يؤازره على المائدة الفول مفور، إذ هرعت إلى حبيبات الشعير فطحنتها تم قامت بفرز ها عن القشور فوضتعها فوق ا لماء المغلي لتنضج فوق البخار ثم سقتها ومزحتها باللبن الرائب بعد أن حركته لمدة غير قصيرة ليتمخض عن زبدة طازجة احتفظت بها لتقدمها في وجبة أخرى ، تناول مصطفى وصديقه ادريس غذائهما في الغرفة التي تقع في الأعلى بينما الأم وبناتها فى الأسفل، كان شوقه لتلك الأكلة اللذيذة قد جاوز حده ، يأكل بنهم وتلذذ فهي وجبة موسمية خفيفة لذلك أضافت إليها الفول كذلك مبخرا متبلا مزينا بمسحوق الكمون والملح لتكتمل الوجبة.
مثل هذه الأطباق تفتقد في الأماكن العمومية كالمطاعم والمؤسسات التي تقدم الوجبات لمنتسبيها كالداخلية ودار الطالب . فلا فرصة لك أن تحضى بها إلا من يد والدتك أو جدتك إن كن من منتجي الحليب وإلا فإنها تبقى غاية لا تدرك.
بعد الغذاء، ومن أجل قيلولة ترفع العنت والتعب عن قدميهما المنهكتين من جراء المشي، جلسا في غرفتهما يتجاذبان أطراف الحديث وهما ممددان على أسرتهما المصنوعة يدويا، بينما هم كذلك وقد ساد الصمت والهدوء أرجاء البيت فهي فترة استراحة بعد نصب، تذكر مصطفى تلك الحلوى التي اشتراها لأخواته الصغيرات فتوجه إلى حقيبته التي لازالت على حالها قابعة في الزاوية حيث وضعها أول وهلة، فهي لا تحوي إلا بعض كتب ودفاتر وقطعا من الملابس استقدمها للغسيل، أمسكها بمجمع يديه ثم قصد الغرفة في الأسفل ، حيث ترقدان رفقة والدتيهما، حدثهما قليلا ثم ناولهما الكيس و الابتسامة تطبع وجهه، فتعلقه الكبير بالصغار طالما اضطره إلى ادخار بعض مصروفه ليدخل الفرحة على قلوبهن ، حتى ينعمان بدفئ الأخوة واهتمام الأخ الذي يرون فيه القدوة والمثال لما يجود به من طيب الكلام ومن عطف وحب.
عاد مصطفى وقد علا البشر وجهه قائلا هل تأخرت ؟ استسمح لقد تركتك وحيدا.
أجابه صديقه : لا هذا واجب لابد أن تجلس قليلا مع العائلة فهم في شوق إليك كبير ، ليس هناك من مشكلة، نحن أصدقاء ودوما نقضي أوقاتا طويلة مع بعضنا البعض
صدقت لابد أن نعطي لكل ذي حق حقه .
لكن إدريس بدا وكأنه تذكر شيئا ما أو شغله شاغل ، فتساءل والحيرة قد أحاطت به أين هو والدك ؟ لعله خارج البيت ؟
الوالد في بني أحمد ، رد مصطفى مبتسما، أطرق هنيهة ثم قال : اليوم هو السبت فيه يختتم أشغاله، قد يأتي هذا المساء وان لم يكن فغدا لا محالة قادم ، لا يستطيع أن يفوت السوق الأسبوعي ، حيث ينتظره زبائن كثر في اثنين تبوذة إذ لا يستطيع أن يخلف معهم الموعد .
وما هي إلا لحظات حتى ارتفع أذان العصر ، دبت الحركة في البيت ، من جديد ، كانت البنتان تسوقان قطيعهما إلى المرعى، قام مصطفى من مكانه ثم تبعه ادريس إلى الباب يلقيان عليهما نظراتهما الأخيرة وهما تختفيان عن الأعين بين ثنايا الحقول.