في رحاب الشطيبي 27

في رحاب الشطيبي 27

 

إدريس الزياتي

 

مر الليل سريعا  كأنه وميض ضوء خاطف  ، أحس ادريس  بالإرهاق   تهيأ له انه لم  ينم حتى ،    يحصل  له ذلك  كلما غير  مكان نومه  أو كان على أهبة سفر ،  يحلق بعقله  في فضاءات الله  الشاسعة  ويطلق  عنان مخيلته  لتسقط في  مهوى اللاشعور  الذي يجعله يحقق كل أمانيه ،  فمرة يحلق بين الفجاج وأخرى يلوح   يسيفه كالساموراي  يقارع الأنذال ، وتارة يهرب من الشرطة التي تلاحقه  فينجو بقدرة قادر ، وأخرى  يستمتع بشمس البحر على شاطئ ذهبي لم يعرف له مكانا إلا في الحلم وهكذا   يقضي ليله فيظن أنه لم يحفل بنوم.

بعيد الفجر كان الحاج قد غادر المنزل،  فقد وضع عدته على حماره الأشهب الناصري هكذا يسمونه أهل البلدة ، وخصوصيته انه قوي   يستطيع حمل صاحبه   البدين،  انحدر  باتجاه  السوق  ، بينما  تأخر ا إدريس ومصطفى في المنزل  الى وقت   الضحى  حيث   قال الأخير  لا يبكر الى السوق إلا الباعة  والسماسرة  ،  فهم في ظلمة الصباح   يغنتنمون الفرص ، اما نحن فلا يدفعنا الى حب المعرفة والاستطلاع ،  سنلقي نظرة على السوق وربما التقينا ببعض الأصدقاء أو  بعض أفراد العائلة  الذين يأتون من مناطق بعيدة  فيكون السوق سببا في  صلة الأرحام  .

كان الأمر كما  خطط له من قبل  ، بعد الإفطار،   وبخطوات  من يستكشف الطرقات  الجديدة ،  يجتنبان البرك المائية  والأماكن التي تحتفظ  بالرطوبة   فما أن تضع قدمك  حتى تبتلعه ،  يتجاذبان أطراف الحديث  ويقفزان  بين الفينة والأخرى ليتجاوزوا  فضلات البهائم والأبقار  از   لتفادى الغبار  الذي يصعد من الأرض  في الأماكن الجافة   ،  يسمعان من بعيد أزيز السيارات،  وصدى أبواق  الباعة  وهم يبيعون  الوهم ، ادوية للامراض المستعصية التي عجز الطب عن  علاجها  ، كالروماتيزم  على سبيل المثال  ، وآخر يصدح بصوته مناديا   هنا ادوية الفئران والبراغيث ، وآخر  يقول تعالوا عند الفلاح هنا البذور  على مختلف انواعها   فضلا عن المبيدات والأسمدة   وآخرين يتفننون في خلق جو الفرجة والحماسة من اجل جلب عدد كبير من الزبناء   وهكذا دوالبك   كل ينشد ضالته .

أطلا  على السوق من بعيد ، يظهر الكثير من الخلق يختفون في غمرة الزحام،  كل ينشد بغيته ،   صومعة هي الأعلى    تبدو لأول وهلة كانها   حارس  معنوي   على  السوق  تنظر إلى هؤلاء وأولائك   كأنها  تحذرهم من مغبة الغش والسرقة والتطفيف في الميزان وأكل السحت ،  و يناديهم المناد رغم  كل ذلك حي على الفلاح حي على الصلاة  فيلبي النزر القليل منهم  واغلب الناس   لا يلقون  له   بالا ،

غير بعيد عن البوابة  تتراءى  للعيان   تلك  المدرسةالابتدائية  التي تعلم في حجراتها البسيطة عدد لا يستهان به من أهل البلدات المجاورة  وحجت   اليها أجيال متتابعة  منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر  وهي على حالها  لم تتغير ولم تتحول قيد انملة     ، وغير بعيد منها في المقابل  تربع  مكتب للبريد  ومستوصف صغير  وبعض الأبنية ،  قال  مصطفى مشيرا بإصبعه  هذا هو السوسي  معروف هنا كنار على علم وهو صديق الوالد، وتلك   مقرات قيادة وجماعة   إثنين بوبعان أو تبوذة كما يحلو للبعض أن يسميها .

تصطف السيارات والشاحنات بشكل عشوائي  و بينما  الذين يركبون دوابهم  من نساء ورجال  هم الأغلبية  المنحدرة من البلدات المجاورة ، تلك وسيلتهم المثلى للتنقل،   اذ تمثل الدواب   قطب الرحى في كل تحرك  سواء  في الزيارات المتابدلة أو قضاء المآرب  والحاجات وما  أكثرها  سيما حين   يتعلق الامر ببعت الرسائل او استلامها او عند حالات المرض الطفيفة  اذ يهرعون الى المستوصف أو الصيدلية    فضلا عن   السوق الأسبوعي الذي يعد شريان  الحياة الوحيد في المنطقة   فهو ملاذ كل صاحب حاجة .. .

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: