في رحاب الشطيبي ١٦

 
إدريس الزياتي

عادا إلى غرفتهما من الجهة الخلفية كما دخلاها أول مرة ، بعد أن رمى مصطفى ببصره إلى الجهة التي يتوقع أن يلوح منها والده، لم يظهر له أثرا ، لعل أعمالا قد تراكمت عليه فلم يجد بدا من أن ينهيها، فلا يصح أن يغادر قبل إنجاز ما تحت يديه من أعمال، قد بكون أصحابها في حاجة ملحة إليها.
فالمكان الذي ضرب فيه خيمته الصغيرة، وزبائنه من مرتادي المسجد الذي اتخذه خير جار ، على أعين المارة يستطيعون زيارته قصد إصلاح ما أفسده الدهر من أوان منزلية. فهذا قد دفع إليه بطشت والآخر بمقلاة وثالث بإبريق ورابع ببرمة أو صينية، وخامس بسطل أو آنية نحاسبة وهلمجرا.
نادت الأم ولدها فهو الوحيد الذي لازال بالبيت رفقه صديقه بعد أن بدأت الشمس تزاور نا حية الغروب ، غاب لوقت يستطيع فيه أن يمسك بالبدوك كما يسمونه، ذلك أن سنة الذبح قائمة لا ينفك عنها أهل البادية كلما حج أحد إليهم بنية المبيت أو جاء صباحا ليدرك الغذاء ، وهي عادة درج عليها أهل البادية في جميع المناطق، لما للضيفان من مكانة خاصة في قلوبهم، فيفرح المضيف والضيف على حد سواء وهذا من كمال الحب والود وخلو القلب من الشح والبخل وترويضه على العطاء والبذل.
سمع إدريس صراخ الديك وهو بين يدي مصطفى الذي أحكم بقبضته الحديدية عليه ، فالدجاج البلدي قوي وعنيف ، يستلزم كثيرا من الحزم والحذر، فهو لم يكن يوما كالدجاج الرومي، لهذا يضرب المثل بهذا الأخير في الدعة والسكون.
استنفرت بقية الدجاجات والديكة ا لتحدث تمردا واحتجاجا جماعيا يوحي بحدوث فجيعة، أو أن كارثة قد ألمت بهم ، حتى أن الجيران يشعرون بخطب ما، فحيلة استدراجهم بدعوى تقديم الحبوب بعد نداء الحاجة المعهود، قد أودت بأحدهم وكشفت عن خديعة كبري لمو لاتهم التي طالما كانت اليد الحانية عليهم، لكن الهدف والغاية في مثل هذه الأوقات يصح القول أنها تبرر الوسيلة.
علت الأصوات وكثر الصراخ ، لكن مصطفى كان قد قدمه قربانا لحسن الضيافة وإكرما لأهل البيت .
كان الشاي جاهزا في صينية ينتظره بعد أن غسل سكينه ويداه ، ناول الذبيح إلى أمه لتشرع في تنظيفه فقد أعدت عدتها لذلك ، أومأت له أن خذ الشاي في طريقك فهو جاهز فوق المائدة ،.
دخل مصطفى يحمل في يده صينية بقوائم ثلاثة تأخذ شكل طاولة مستديرة لكنها من الألومنيوم، فضية اللون مزينة بنقوش الصانع التقليدي الفاسي الذي برع في إخراجها في أبهى حلة .
جلس جلسته المعهودة جلسة الأكل في سنة حبيب الحق ، لا يعلم أكان يعرف أنها كذلك أم كان يفعلها سليقة وفطرة، أخذ يقلب الشاي مرة ومرتين حتى ظهرت عليه علامات التخثر من خلال الزبد الأبيض المحبب الذي علا الأكواب فجعلها مغرية. فوجوده بوحي بأن الشاي الذي أمامك قد استوفى شروطه الموضوعية.
وهما يحتسيان الشاي قال مصطفى وكأنه تذكر شيئا قد نسيه، منزل الفقيه سي محمد كذلك ليس بعيدا عنا ، لعلنا في الغد إن أتيحت لنا الفرصة أن نصل إلى هناك كي تعرف أين يقطن ؟
قال إدريس متعجبا : هل تقصد عمي المقيم في مازيغا !!؟ مستغربا من وجوده في مكان يقرب بيت عمه.
نعم هو كذلك
سيكون ذلك ممتعا ، أن أرى بيته ومازيغا كذلك لأول مرة.
قد لا يكون في المنزل ، لكن زوجة عمي وأولاده لا ريب أنهم هناك.
قد تفاجؤه غدا هناك إن قدر الله لكم اللقاء، فهو لا محالة سيأتي قصد التسوق يوم الإثنين، فضلا عن أن المسجد الذي يرابط فيه ليس ببعيد .
سيكون ذلك حدثا لا يخطر على بال ، أنا متحمس جدا لذلك، ما أجمل أن تزور أحبابك في وقت غير متوقع!!،

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: