فلسفة الحق و الخير والجمال في  أشعار إيليا أبي ماضي –  نص الطين أنموذجا 

 

دكتور عبد الفتاح أحمد

 

تُعتبر فلسفة الحق والخير والجمال واحدةً من أهم فلسفات الحياة، حيث تتمحور حول تحقيق الرضا الدائم والسعادة الحقيقية والتي نسعى جميعًا لتحقيقها في حياتنا. تعتبر فلسفة الحق والخير والجمال مثلثًا متكاملًا، فالحق يمثل النظام والأمان والاستقرار، فالخير ينبع من خلال الأفعال الحسنة والإحسان للآخرين، وأما الجمال فهو يتمثل في التفاصيل الصغيرة التي تجعل الحياة أكثر جمالًا وروعة.إذن فإن فلسفة الحق والخير والجمال تهدف لتحقيق وتعزيز القيم الأخلاقية المهمة في حياتنا، مثل الصدق والعدالة والإيثار والتسامح والتواضع وغيرها، وكل هذه القيم تعتبر أساسًا للحياة السعيدة والمحبة والسلام والتوازن، وبالتالي يرى الكثيرون أن تحقيق فلسفة الحق والخير والجمال يتطلب منا جهودًا وتفانيًا في سبيل تحقيق الهدف المنشود، وتحتاج إلى المزيد من الوعي والفهم والتعاطف مع الآخرين، والاستمتاع بالجماليات الخاصة بالحياة، سواء في الفنون أوالطبيعة أو في العلاقات الإنسانية المتبادلة، ففلسفة الحق والخير والجمال تجعلنا نفهم أن الحياة هي أكثر مما تراه العين، وأن محور الحياة هو القلب الذي يتحكم في جميع تفاصيلها ويجعلنا نشعر بالفرح والأمل والسعادة الحقيقية.

وتعدُّ فلسفة الحق والخير والجمال أحد القضايا الفلسفية الأساسية التي تعكس رؤية الإنسان للعالم وذاته ، ورغم تعدد الفلسفات والمفاهيم الفكرية، وتعدُّ مؤلفات الشاعر اللبناني (إيليا أبو ماضي) أحد الأعمال التي تتطرق إلى هذه الفلسفة بشكل عميق وواضح ، فعلى سبيل المثال  في نص الطين يرصد الشاعر البحث عن الحق والجمال والخير والمساواة في نفس الإنسان، وسط زخم الحياة وضجيجها، ويرى الشاعر أنَّه لا يمكن العثور على هذه القيم والمفاهيم إلا من خلال الوصول إلى جوهر الإنسان وروحه الصادقة، والتي تكمن في إحساس الإنسان بنفسه وتواضعه من مبدأ المساواة في الإنسانية كمبعث لدوافع الحق الخيروالجمال ، ومن خلال التعبير عن هذه الفلسفة، فيعبر إيليا أبو ماضي عن المبدأ الأساسي في رسالته الفنية، حيث يهدف إلى تسليط الضوء على الجمال والحق والخير والمساواة في الإنسان، وتعزيزها في وجدان القرّاء. وبفضل هذه الرؤية الفلسفية العميقة والواعية، ويعتبر نص الطين أحد أهم الأعمال الفنية  المؤثرة في حياة كل إنسان حاد عن التواضع أو أصابه الغرور وتعالى على أخيه الإنسان.

القصيدة:

 

نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ

حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد

 

وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى

وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد

 

يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي

ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد

 

أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي

تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد

 

أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِع

ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد

 

أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي

في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد

 

لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني

وَرُؤى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد

 

وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا

مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد

 

أَأَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ

وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد

 

وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي

وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد

 

وقصيدة الطين للشاعر (إيليا أبو ماضي) هي واحدة من أشهر قصائد الشعر العربي الحديث، فقد كتبها الشاعر باللغة العربية الفصحى في الستينيات من القرن الماضي، وتأثر بها العديد من الأدباء والشعراء في العالم العربي، حيث تتألف القصيدة من سبعة وخمسين بيتاً، وتدور أحداثها حول فكرة غرور الإنسان وتكبره على أخيه الإنسان ، موضحًا المساواة بينهما في تسخير الطبيعة بما فيها للجميع الغني والفقير  ، حيث يصف الشاعر في البداية الطين كمادة أساسية في بناء الجنس البشري ، فعموم الإنسانية أصلها واحد فقد خُلق الجميع من الطين ، وكيف أن الطبيعة مسخرة للجميع الغني والفقير؛ لتعين الإنسان في تحقيق أهدافه، لا فرق في ذلك بين فقير يلبس الكساء الرديم، وبين من يتوشى بالحرير ، فالكل سواء يعيش على أرض واحدة ويستظل الجميع بسماء واحدة وتشرق الشمس على الجميع ، ويسدل الليل أستاره على الجميع، إن قصيدة الطين هي عمل شعري مميز ومؤثر، يحمل فلسفة اجتماعية وأخلاقية قوية، وتظل حتى اليوم هذه القصيدة ملهمة للعديد من الأدباء والشعراء لكتابة الشعر الراقي.

ففي هذه القصيدة حدد الشاعر فكرته الأساسية ،وهي أننا سواسية كأسنان المشط غير أننا في النهاية نعيش في عالم واحد ،وانطلاقا من هذا المبدأ وهذه الفكرة لابد للبشر أن يحبون بعضهم البعض ويرعون بعضهم البعض في هذا العالم لأن الإنسان لأخيه الإنسان أهم من الكساء والحذاء، كما أن المعاملة الحسنة بين البشر وبعضهم أهم من المادة التي سيتركها كل منا في أي يوم من الأيام، كما يُذكِّر الشاعر الإنسان المتكبر أنه ليس أفضل من التراب الذي يمشي عليه بقدميه فهو مخلوق من هذا التراب أساساً، كما يُذكر الشاعر الشخص الفقير أنه ليس مجرد فحمة حقيرة في الأرض وأنه مثله مثل الغني الذي يظن أنه نجمة في السماء فمهما بلغت قوة الإنسان لا حق له في التعالي ولو حتى على المخلوقات الضعيفة، فالبعوضة مثلا بإمكانها إيذائه و هزيمته .

كما يستلهم القارئ من هذه القصيدة  التواضع ويبتعد عن التكبر، فتجعله يفهم العالم من حوله بصورة صحيحة ، ويفهم المغزى من الدنيا وهو الموت والحساب، كما تسعى لجعل الغني متواضع للفقير وتجعل الفقير لا يخجل من نفسه كما تحث على الإيخاء وهذا ما يجب أن ينغرس في نفوس البشر في هذا العصر الذي طغت فيه الأحقاد وطغيان المادة كما تسعى لنشر المحبة والخير والجمال والمساواة والتواضع،

فجميعنا في الحقيقة أخوة ونعيش في نفس العالم كما أننا مخلوقون من نفس الطين.تقتل القصيدة أي طمع أو نهم أو حب للمال في النفوس لأنها تُذكرنا أن المال لا نفع له ولا قيمة ففي النهاية سنموت ونتركه .

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: