عرض كتاب: عبد الرحمن بدوي (الرحلة الفكرية لفيلسوف مصري) 

تأليف: محمد سيد ريان.

 

عرض: أشرف خيري يوسف.

يُعد الدكتور عبد الرحمن بدوي (1917-2002م) – أحد أبرز وأهم فلاسفة العرب في القرن العشرين وبدايات القرن الحالي، ليس فقط بسبب ما خلفه لنا من إنتاج فكري غزير ومتنوع، بل أيضًا لما أُثارته أفكاره وأعماله من جدل؛ هذه الأعمال التي وصلت لنحو مئة وخمسين عملًا ما بين التأليف والترجمة والتحقيق، وقد عُرف بدوي بين معظم أهل الفلسفة والفكر بأنه أول فيلسوف وجودي مصري، وربما عربي أيضًا، وذلك من شدة تأثره ببعض الوجودين الأوروبيين من أمثال الفيلسوف الألماني “مارتن هايدجر” ثم وُصف في أخر حياته بأنه ” فيلسوف هارب إلى الإسلام”

عندما كتب في أخريات أيامه كتابيه اللذان نالا شهرة واسعة وتُرجما لبعض اللغات، وهما: ” دفاع عن القرآن ضد منتقديه” و” دفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره”.

على أية حال فإن الكُتيب الذي بين أيدينا يُلقى بعض الضوء على الدكتور عبد الرحمن بدوي، الذي أعتبره أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء في العصر الحديث، حتى نفرق بينه وبين أبي حيان التوحيدي – برغم أن أعماله الأدبية لم تلق حظًا وافرًا من الشهرة وبرغم تركه للأدب وتفرغه للفلسفة – والكُتيب هو الإصدار رقم 22 من سلسلة تراث الإنسانية للنشء والشباب التي تصدرها مكتبة الإسكندرية – وحسنًا فعلت – وعنوانه: عبد الرحمن بدوي “الرحلة الفكرية لفيلسوف مصري”، تأليف: محمد سيد ريان، ويقع في 48 صفحة من القطع الصغير، 2023م.

وقد تناول فيه المؤلف مسيرة بدوي من خلال عشرة عناوين سنتعرض لها واحد تلو الأخر، بخلاف المقدمة والخاتمة، والكتاب يبدأ بتصدير للأستاذ الدكتور/ أحمد عبد الله زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، وينتهي بنبذة عن المؤلف.

في المقدمة أشار المؤلف إلى أن الكتابة عن الدكتور بدوي هي مسئولية كبيرة، خاصًة مع إنتاجه المعرفي الضخم وحياته العلمية المتميزة وتجربته الذاتية المتفردة، إضافًة لأدواره المختلفة والمتعددة التي قام بها في مسيرة الثقافة العربية والإسلامية في عالمنا المعاصر، فبين تنوع إسهاماته الفكرية ما بين التألف والترجمة والنقد والتحقيق والتأريخ والأدب والشرح والمراجعة.

وبعد المقدمة وضع المؤلف عنوان: “مسيرة حافلة”، ترجم فيها بإيجاز لنشأة وحياة عبد الرحمن بدوي، فذكر لنا أنه وُلد في 4 فبراير عام 1917م، بقرية شرباص التابعة لمركز فارسكور بدمياط، كانت عائلته من الأعيان وكان أبوه عمدة القرية وقد أنجب 21 ابن وابنة كان ترتيب عبد الرحمن بينهم رقم 15. تحدث المؤلف عن نبوغه وحبه للقراءة والكتابة والتأليف منذ نعومة أظافره، وأشار لمسيرته التعلمية والعلمية إلى أن صار أحد أبرز المفكرين الرواد في مصر والعالم العربي والإسلامي المعاصر، وأصبح له عشرات المؤلفات المتنوعة، وحصوله على الجوائز وكان أخرها جائزة مبارك (النيل فيما بعد وهي أرفع جائزة مصرية) في العلوم الاجتماعية سنة 1999م. وتحدث عن جولاته حول العالم إلى أن استقر في نهاية الأمر في باريس لسنوات عديدة، وحينما تعرض لوعكة صحية شديدة في سنة 2002م، عاد على إثرها لمصر وتلقى العلاج بمستشفى معهد ناصر، وتوفي في 25 يوليو 2002م.

ثم ينتقل المؤلف لعنوان: “أسرار العبقرية” وفيه يعرض عوامل نبوغ الدكتور عبد الرحمن بدوي، وقال أن أبرز هذه العوامل هو البيئة الريفية التي نشا وترعرع فيها في سنواته الأولى؛ مما شجعه على التأمل والبحث عن أصل الوجود والكون من حوله في أبهى صورة. كذلك أنه كان محظوظًا بأساتذته  سواء في المدرسة الابتدائية أو الثانوية أو الجامعة، المصريين منهم أو الأجانب الذين كان لهم دور كبير في تثقيفه وتعليمه، ويدين لهم بالفضل الكبير، كما ساعده إقباله على تعلم اللغات الأجنبية على التميز على أقرانه بالإضافة إلى التأسيس على أصول اللغة العربية. ومن أسرار هذه العبقرية أيضًا هو التخطيط الجيد لذاته فقد وضع خطة مستقبلية لإنتاجه العلمي ورسمها على أن تسير في ثلاثة اتجاهات. أيضًا قراءاته العديدة والمتنوعة ورحلاته لأوروبا والعالم العربي والإسلامي وانفتاحه على ثقافات وحضارات متعددة ومتنوعة. كما كان للتحولات الكبري على كافة الأصعدة والمجالات في عصره أثر كبير في تكوينه الذي جعله علامة فارقة في تاريخ الثقافة العربية. وينتقل بنا المؤلف لعنوان: “الفيلسوف الوجودي” فهو يُعدُّ داعية الفلسفة الوجودية في عالمنا العربي كما يظهر في كتاباته الأولى بالأخص، فنجد له أربعة كتب خصصها لتناول المذهب الوجودي؛ وهي: “الزمان الوجودي” و “الموت والعبقرية” و “الوجودية والإنسانية في الفكر العربي” كما قام بترجمة كتاب “الوجود والعدم” لجان بول سارتر. نأتي بعد ذلك لعنوان: “الموسوعي الشامل” بالفعل فإن كتاباته تُصف بالموسوعية والشمول، ويكفي أنه كتب موسوعتين بمفرده؛ وهما: “موسوعة الفلسفة” في جزأين وملحق كبير، و ” موسوعة المستشرقين” وتقع في 640 صفحة من القطع الكبير، ط 3 دار العلم للملايين، وتشتمل على 291 ترجمة، كما شارك في موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، فضلًا عن أعماله الأخرى التي تتصف بالموسوعية في جانب محدد أو تخصص بعينه. ويسير بنا المؤلف عبر بقية العناوين؛ مثل: “المترجم الشارح” فيوضح لنا أنه كان بحق حلقة وصل بين الشرق والغرب بترجماته التي تفوق بها على أقرانه المتخصصين في الفلسفة كمًّا وكيفًا. وفي عنوان “المحقق البارع” يرى أنه لا يمكن فصل جهوده في التحقيق عن جهوده في الترجمة وشرح النصوص وتنقيحها ومقارنة النسخ القديمة بالحديثة، سواء التراث اليوناني أو تراث أعلام الثقافة العربية الإسلامية، مثل ابن سينا والكندي والفارابي وابن باجة وابن عدي وغيرهم.  بينما في عنوان “مؤرخ الفلسفة” يبين لنا أن من أبرز إسهاماته كمؤرخ للفلسفة هي سلسلة خلاصة الفكر الأوروبي التي عمل عليها بدوي لسنوات عديدة. ونجد عنوان “المعلم البارز” يعرفنا أن دور أستاذ الفلسفة كان الأقرب لشخصية بدوي، ومن كتاباته التأسيسية العديدة التي تؤكد دور المعلم كتابه “مدخل إلى الفلسفة” وأيضًا كتابه “مناهج البحث العلمي” وغيرهم من الكتب التي تُعد رائدة في هذا الموضوع. أما عنوان “الأديب المتمرد” فذكر فيه أن بدوي كانت له إسهامات أدبية متميزة ، فكتب الشعر وأصدر ديوان “مرآة نفسي” وديوان ” نشيد الغريب”، وكذلك كتب الرواية مثل روايته الشهيرة “هموم الشباب”. وأخر عنوان هو: “المفكر الإسلامي” وفيه يرى المؤلف أن بعض النقاد يعتقدون أن كتابات بدوي الإسلامية تمثل تناقضًا مع فلسفته ووجوديته، ثم يقول: “والحقيقة أن أغلب تلك الآراء لم تنتبه إلى أنه لا تعارض أو تناقض بينهما” ثم ينقل لنا ما أوضحه بدوي نفسه في هذا الشأن من كتاب الدكتور سعيد اللاوندي، عبد الرحمن بدوي: فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام، بقوله: ” إنني أناضل منذ بداية حياتي الفكرية على جبهتين؛ جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية، وجبهة الفكر الإسلامي، وليس ثمة تناقض بينهما على الأقل في مجال البحث وتاريخ الأفكار” ثم يستكمل المؤلف ويذكر أن من يراجع أغلب كتابات بدوي منذ بداياتها سيجد دفاعًا كبيرًا عن التراث العربي والإسلامي، ومن أبرز ما نشره كتاباه سالفي الذكر ” دفاع عن القرآن ضد منتقديه” و “دفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ض المنتقصين من قدره” وكتاياته عن التصوف الإسلامى، ونذكر كتابه الأشهر والأكثر انتشارًا المعنون ب “شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية” . ثم يختتم الكتاب بخاتمة عنوانها: ” بدوي في مرآة معاصريه” ويذكر فيها أرآء عديدة كرأي أستاذه طه حسين تلميذه أنور عبد الملك، وكذلك الدكتورحسن حنفين والأستاذ محمود أمين العالم والشاعر محمد عفيفي مطر، وأنيس منصور وغيرهم.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: