ظاهرة التناص في العصر الحاضر بين الحسن والقبح!

بقلم الكاتب د.عبد الفتاح أحمد
انتشر في الآونة الأخيرة كتابًا يكتبون ما يسميه كتابه خواطر شعرية ، منها ما هو مقفى وبه هنات بالوزن الشعري ، ومنها ماهو ، مقطوعات نثرية في أسطر متراصة ، لا وزن لها ولا قافية، كل هذا وإن كان يحتاج منا وقفات ، ولكن ما استوقفني هو اقتباس بعض كلمات القرآن العظيم بل ربما يكون سطرًا كاملًا من آية كريمة لاستخدامها في أغراض الغزل والحب والهيام ، وعاطفة الولع والاشتياق، ووصف الأنثى مع اقتران هذا بصور انثوية جذابة ، ولمن لا يعرف من القراء من خارج الوسط الأدبي ما معنى التناص ؟ فهو اتفاق نصين لكاتبين مختلفين لفظًا ، أو معنى ، أو لفظًا ومعنى ؛ لتوصيل المعنى المطلوب للقارئ والفهم الصحيح، ومن المعلوم أن ظاهرة التناص لآيات القرآن الكريم ملائمة لأغراض معينة من الممكن أن نسميها أغراض نبيلة – إن صح التعبير – كغرض الحكمة ،أو حب الوطن ، أو غرض الحماسة ، أو غرض الزهد ، أو المديح النبوي ، أو الحب الإلهي،أو الاتعاظ ، ولكن استخدام كلمات القرآن المتعبد به والذي يجب توقيره لأُعرِب عن حبي واشتياقي لإنسان فانٍ فهذا شيء مستهجن ولا يليق بتوقير كلام الله واستخدامه في موضعه الصحيح ، فأحد هذه الخواطر مثلا كتبت كاتبتها في خواطرها:
(ويسألونك عن الحب قل الحب من أمر قلبي ) ، وفي ذلك تناص لفظي صريح مع الآية الكريمة ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ” بأي ميزان نزن هذا الكلام ياسادة وهل يتناسب مقام الحديث عن الروح ، بمقام الحديث عن شخص فإنٍ ، وهل يتناسب مقام كلمات القرآن العظيم، مع الحب والهوى بين شخصين حتى ولو كانا زوجين ، ومثال آخر للتناص مع آيات القرآن كاتب يقول:
تنفس الصبح ولاحت الشمس وضحاها ) يقصد المحبوبة ، وهذا تناص لفظي صريح مع الآيات الكريمة ” والصبح إذا تنفس ” والاية الكريمة ” والشمس وضحاها ” فهل هذا يتناسب ووقار ألفاظ القرآن! شيء عجيب ، والأعجب منه مادام الكاتب يعكس أنه متأثر بالقرآن الكريم، ويظهر خلفيته الدينية، فليظهرها في مقام مناسب فلكل مقام مقال، وليس مقامه الغزل، وهناك الكثير من الفتاوى التى حرمت الاقتباس من القرآن الكريم لغرض الغزل أو الهزل وإليكم هذه الفتوى
“يجوز الاستشهاد بآية من القرآن، أو بجزء منها في كلام المتكلم، وهذا يسمى في علوم اللغة والأدب بـ(الاقتباس).
كما لا حرج في نثر الكلام على وزن بعض الآيات إذا كان لمقاصد شرعية، مثل الاتعاظ والتدبر، ويكون على وجه التعظيم، أو لتحسين الكلام، وليس على وجه المناظرة والمماثلة.
وأما إن كان في مجال الأساليب المخالفة للعقيدة مثل: الهزل والغزل، أو وقع على سبيل يوحي بالتقليل من شأن القرآن الكريم؛ فهو محرم. والله أعلم”.