صَدَاقَةُ المَصَالِحِ جَسَدٌ بِلَا ثِيَابٍ 

دكتور أحمد إِبْرَاهِيمُ مَرْعُوه

بَحَثْتُ فِي زَمَنِ الْمَصَالِحِ عَنْ صَدَاقَةِ الصَّالِحِ لَا صَدَاقَةِ الْمَصَالِحِ فَلَمْ أَجِدْ لَهَا بَابًا غَيْرَ الْبَابِ الَّذِي أَوَجَدُوهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي شَوّهُوُهُ .. لِيَكُنْ غَيْرَ الصَّالِحِ الَّذِي لَمْ يعْرِفُوهُ ..
ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الصَّالِحِينَ أَسَأَلُهُمْ عَمَّا أَصَابَ الْمُجْتَمَعَ، فَوَجَدْتُ قَلِيلًا مِنْهُمْ مَا زَالَ مُتَمَسِّكًا، وَكَثِيرًا قَدْ هَجَر .. فَالْقَابِضُ عَلَى الْجَمْرِ هُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ مَتَى يَصْمُدُ وَمَتَى يَرْحَلُ أَوْ يَرْتَحِلُ، فَرَجَعْتُ وَالْحُزْنُ مَا زَالَ فِي قَلْبِي يَقْطُرُ دَمًا عَلَى الصَّالِحِ المُتَمَسّكِ، وَأَخِيهِ الَّذِي قَبَضَ!
وَرَغْمَ زَعْمِي أَنَّ صَدَاقَةَ الْمَصَالِحِ جَسَدٌ بِلَا ثِيَابٍ تَقْرِضُهُ الْعَقَارِبُ وَالْحَيَّاتُ بِالْأَنْيَابِ!
عُدْتُ إِلَى نَفْسِي أُحَدِّثُهَا عَنِ الصَّدَاقَةِ الَّتِي كُنْتُ أَوَدُّهَا طَيِّبَةَ المَعَانِي فَوَجَدْتُهَا قَدْ تَقَوَّضَتْ، وَلَمْ تَعُدِ الرِّيَاحُ تَحْمِلُ لَهَا أَيَّ أثَرٍ!
آهٍ.. قَدْ كُنْتُ فِي الْحَيَاةِ أَسِيرُ أَبْحَثُ عَنْ مَكَانٍ صَغِيرٍ، هُنَاكَ عِنْدَ النَّهْرِ الْغَدِيرِ، أَسْتَزِيدُ مِنْهُ وَأَزِيدُ، لَكِنِّي رَأَيْتُ العُمْرَ قَصِيرٌ، فَأَعْرَضْتُ عَنْ كَثِيرٍ..
تُرَى العُمْرَ يَكْفِي لاسْتِنْشَاقِ الشَّهِيقِ وَإِخْرَاجِ الزَّفيرِ؟
مِنْ أَيِّ نَبْعٍ أَنْتِ أيتُهَا الْحَيَاةُ الَّتِي تَتَكَالَبُ عَلَيْكِ النُّفُوسُ، وَمِنْ أَجَلِكِ تَدُوسُ عَلَى كُلِّ قِيَمٍ وَكُلِّ مَوْرُوثٍ، هَلْ أَنْتِ الَّتِي تَحْيَا فِيكِ الْأمَانِيُّ دُونَ أَنْ تَصْطَدِمَ بِكُلِّ ظَالِمٍ وَجَانٍ، هَلْ أَنْتِ الَّتِي كُنْتُ أَهْوَاهَا رَاقِيَةَ المَعَانِي؟!
مِنْ أَيِّ مَعْدَنٍ هِي نُقُودُكِ الَّتِي تَقْوَدُ مَنْ يَبِيعُ الْهَوَى عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَيَرْمِي الشِّبَاكَ لِتَعُوقَ الْغَرِيقَ عَنِ الْمُضِيِّ قُدُمًا نَحْوَ فَرْعِ الشَّجَرَةِ الْعَالِقِ أَوِ الْعُلَّيْقِ الَّذِي يَتَشَبَّثُ بِهِ الْغَرِيقُ!
هَا هِي الْأَسْوَاقُ قَدْ خَوِيَتْ مِنَ المَسْلَي وَالدَّقيقِ، وَسَنَرَى كُلَّ الْحَلْوَى دُونَمَا لَمَعَانٍ أَوْ بَرِيقْ وَمَا زِلْنَا نَتَكَلَّمُ كَذِبًا بِأَنَّنَا الشَّعْبُ العَرِيقُ، وَالْقِيَمُ قَدْ مَاتَتْ، وَالْأحْلَاَمُ قَدْ ضَاعَتْ، وَالْأمَانِيُّ تُفْتَقَدُ مَعَ كُلِّ غَرِيقٍ!
الكُلُّ يَفْتَرِقُ.. لَكِنَّهُ الْفِرَاقُ الَّذِي لَا لِقَاءَ بَعْدَهُ، والكُلُّ يَعْبَثُ وَلَا يَدْرِي مَا يُسَبِّبَهُ عَبَثُهُ للآخَرِينَ، الكُلُّ يَتَنَاحَرُ عَلَى مَا تُسَمَّى بِالنُّقُودِ الَّتِي تُعْطِي النُّفُوذَ الَّذِي يَقُودُ الآخَرِينَ إِلَى حَتْفِهِمِ الْمَرِيرِ ..
نَفْسِي وَمِنْ بَعْدِي الْبُرْكَانُ وَالثَّوْرَاتُ، وَمِنْ بَعْدَهَا الزَّلَازِلُ وَالانْكِسَارَاتُ، وَتَصَدُّعَاتُ الْأرْضِ وَابْتِلَاعُ الْأَشْخَاصِ!
الكُلُّ يَدَّعِي أَنَّهُ الْقَابِضُ عَلَى الدِّينِ، وَمَا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ دَليلُ، وَمَا أَنْ تَنُولَ قَبْضَتُهُ شَيْئًا يَنْقَلِبُ كَمَنْ يُقَطِّعُ الْجُبْنَ بِالسِّكِّينِ لِيَحْرِمَ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ؛ وَالْمُسْتَكِينَ هُنَاكَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ يَرْجُو رَحْمَةَ رَبْهِ، ثُمَّ عَابرَ السَّبِيلِ فِي زَمَنِ الْعَصَا وَالسِّكِّينِ، وَنَسِيَ الْبَعْضُ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبِّي، مَا جَاءَ فِي حَديثِ النُّعْمَانِ بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»( ).
أَيُّ هِجْرَةٍ هَجَرْنَا، وَأَيُّ غَزْوَةٍ غَزَوْنَا، والكُلُّ يَغْزُونَا وَلَا نَغْزُو، والكُلُّ يَقُودُنَا وَلَا نَقُودُ..
بَلْ نُقَادُ.. والكُلُّ يَضْرِبُ فِينَا ونَضْرِبُ فِي بَعْضِنَا، والكُلُّ يَقْتُلُ فِي مُسْلِمِنَا فِي بُورْمَا وفِلَسْطِينَ، وَيَأْكُلُهُمْ لَحْمًا مَشْوِيًّا، وَمَا زِلْنَا نَتَجَاهَلُ أَنَّنَا نَعْرِفُهُمْ، والكُلُّ يَخَافُ الدِّفَاعَ عَنْهُمْ، وَيُفَضِّلُ السُّكُونَ وَكَأَنَّهُ النَّعَامَةُ الطَّوِيلَةُ فِي الْبَدَنِ.. تُغَطِّي رَأْسَهَا فِي التُّرَابِ، وَتَدَّعِي أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ بَيْضَاتٍ تَخَافُ أَنْ يأكُلَهَا الْغُرَابُ فَيَعُمَّ الْخَرَابُ!
قَدْ يَمُوتُ العُمْرُ فِينَا، وَنَخْشَى الْقُوَّةَ أَنْ تَسْتَبِينَ، وَالْخَوْفُ جُبْنٌ لَا يَظْهَرُ إِلَّا فِينَا عِنَدَمَا تَحْتَدِمُ مَعَارِكُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْقَتْلَ فِينَا وَيَتَسَرَّبُ الرُّعْبُ إِلَى قُلُوبِ الْمُتَسَرْوِلِينَ، وَيَسْقُطُ السَّيْفُ فِي بِحَارِ دَمِ الْغَارِقِينَ!

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: