سلسلة الجريمة كما يصورها القرآن..   

 عن سورة البقرة

 

 

تحقيق ودراسة وتقديم :  باسم أحمد عبد الحميد

تعتبر سورة البقرة، أطول وأكبر سورة في القرآن الكريم، لكن البعض لا يعلم سبب التسمية ، والأحداث التي مرت، وحكى عنها القرآن الكريم ، في هذه السورة الطويلة…

– ماقصة بقرة بني إسرائيل؟!!

ماقصة الجريمة التي حدثت، وكيف كانت جريمة تامة وكاملة الأركان!!!

– تبدأ القصة بصراخٍ ونواحٍ شديدين بسبب قتل رجل، من أغنى أغنياء اليهود…

-فمن الذي قتله؟!! وما دوافعه لذلك؟!

– لماذا قتل بعيداً عن منزله، وأهله، وقومه، وقتل على أرض قبيلةٍ أخرى، لها سيادتها واستقلاليتها؟

لا أحد يعرف كيف تم هذا.. وهنا بدأت المشكلة..

فقبيلة القتيل الكبيرة والشهيرة تتهم القبيلة الأخرى التي وقعت على أرضها الجريمة بقتل هذا التاجر الثري…

فحملوا السلاح وقرروا القتال ثأراً لهذا الرجل، وفي المقابل قررت القبيلة الأخرى موقع الجريمة المواجهة والقتال دفاعاً عن أنفسهم، وأرضهم، وذويهم..

هنا بوادر مجزرة كبرى بين القبائل، بكل ما تحمل الكلمة من معنى…

سوف تهدر دماء العشرات بل المئات دون ظهور الحقيقة الدامغة، لتسيطر الوحشية والهمجية، دون الحكمة والعقل

– لكن مع ظهور رجل حكيم مقدس من عند الله (كليم الله) موسى، يظهر بمعجزة خارقة لا يصدقها عقل، ليكشف عن القاتل، ولينقذ قومه، لتصبح قصته العظيمة عنواناً لأطول سورة في القرآن الكريم، والتي تحكي تفاصيل بقرة بني إسرائيل…

هذا الرجل القتيل كان من أغنى أغنياء اليهود، وأشرفهم، وأعلاهم قدراً ومكانةً وسمواً…

هو رجل عصامي، بنى نفسه وتجارته، بعقله الراجح، وزاده الله من فضله وكرمه، وأصبح ممن يملكون ثروات طائلة..

كان لديه بنتاً وحيدة جميلة كملكات الثلج، بعيون زرقاءبراقة  وشعر ذهبي كالتبر..

هذا الرجل ليس لديه أقارب سوى ابن أخيه…

الذي كان فقيراً معدماً كسولاً لا يحب العمل، على عكس عمه الذي صنع ثروته من الصفر…

تقدم ابن أخيه لخِطبة ابنة عمه الجميلة اليافعة، لكن العم رفض وبشدة، لعدم اقتناعه به، ولسوء سلوكه الدائم…

ثم قام بنهره وطرده من منزله، لأنه يعلم مسبقاً طمعه، ونيته في الثروة والجمال، فلا يعمل بعدها طوال حياته بعد الزواج والاستيلاء على أموال عمه…

خرج الشاب مستاءاً يسيطر عليه الحقد والغضب، وامتلأ قلبه سواداً وكرهاً لعمه..

(والشر قد يأتي إليك، من القريب، وأنت لا تعلم)…

– تدخل إبليس اللعين، وخطر ببال الشاب أن يقتل العم، ليصبح كبير العائلة، ويتزوج ابنة عمه، ويأخذ الميراث…

وبعد عدة أيام ذهب لبيت عمه مبتسماًومعتذراً.. واهماً عمه بأنه تغير، وأنه بدأ العمل بالتجارة، وأن تجارة مربحة، سوف يحصلون عليها سوية…

غادر الرجلان ليلاً، وما أن وصلوا

على مشارف قبيلةٍ أخرى، ومكان أوهم الشاب عمه بلقاء أحد التجار هناك، جاء من خلفه وباغته بحجر كبير فسقط أرضا ً مغشياً عليه ، ثم أصابه بعدة طعنات قاتلة،نافذة بالقلب، حتى فارق الحياة..

وعاد لقريته وكأنه لم يفعل شيئاً!!

ثم ذهب لابنة عمه ليسأل عن أبيها، مُدعياً أنه ذهب لأمر ما  وحيداً، وأنه فور خروجهما من المنزل قد تفارقا…

ردت عليه لم يعد أبي بعد!!

أنا قلقة عليه..

فوعدها بالبحث عنه، والرجوع به

ثم أخذ يسأل في الناس عنه، ليبعد الشبهة عن نفسه، ثم واصل حتى وصل لمسرح الجريمة الذي يعلمه يقيناً..

وهناك وجد العشرات يلتفون حول الجثة المجهولة بالنسبة لهم، فهم من قبيلة أخرى ولا يعرفون عن هذا المُخَضَّبِ شيئاً

ثم صرخ فيهم بصوت جهور عماه لقد قتلوك غدراً وعدواناً، وادعى أن أهل هذه القبيلة قتلوه بدافع السرقة، لأنه تاجر كبير، وأنه كان يحمل معه الأموال التي سرقت وطالبهم برد الأموال والدِّية والقصاص…

هنا اشتعلت نار الفتنة..

فتنة كبرى سوف تضرب بني إسرائيل ، وقراهم، وقد تتسبب في مجزرة بشرية وحروب قبلية  ليس له نهاية…

هنا صاح أحد التجار الحكماء :

مالكم تختصمون وفيكم نبي الله موسى فاحتكموا إليه

إنه نبي، بنِي إسرائيل وكلمته نافذة، كحد السيف على رقاب الجميع، فاحتكموا إليه…

أيضا أبناءالقرية التي جرى على أرضها القتل، كانوا يريدون معرفة القاتل، حتى لا يلحق بهم العار، فكلهم متهمون…

فذهبوا إلى موسى وأخبروه…

وكان رد موسى الغريب والمفاجئ حيث قال:

إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة!!

جن جنون بني إسرائيل لأنهم قبل إرسال موسى، كانوا يعبدون البقر، وكانوا يعتقدون أنه إله الحكمة..

فكان طلب موسى بمثابة تحدٍ عجيب وغريب ورهيب بالنسبة لهم واختبار حقيقي لمدى إيمانهم، فهل يذبحون إلآههم السابق!!

هل حقاً آمنوا بالله ورسوله!!

غضبوا كثيراً واعتقدوا أن موسى يستهزىء بهم، ولكنهم احتكموا لأمره رغم الجلال وهو طبع اليهود الدائم..

طلبوا منه أن يحددوا أي بقرة وأى مواصفات فقال لهم :

إنها بقرة لا بكر ولا عجوز، إنها بين ذلك، أي إنها بين ذلك في منتصف العمر تقريباً ثم سألوه،

وما هو لونها فقال :

صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، ولا تعمل في الحراثة، والشرط الوحيد لإثبات البراءة من دم الرجل، أن يجدوها فيذبحوها…

كانوا يبحثون عنها في كل مكان، ويدعون في أنفسهم ألا يجدوها حتى لا يذبحوها،بالاضافة إلى أن صفاتها بالنسبة لهم كانت شبه مستحيلة، فلم يمر عليهم من قبل مثيلاً لها..

حتى كانت الصدفة حيث أنهم وجدوها في مكان لا يتوقعوه على حدود القرية، مع فتى يتيم مات أبوه منذ سنوات، ولم يترك له سوى منزل من الطين، وهذه البقرة..

كانوا مذهولين لجمال هذه البقرة التي لا مثيل لها، حتى أنهم فكروا لوهلة أن ينقلبوا على موسى والرجوع لسابق عهدهم وعبادة الأبقار من فرط جمال هذه البقرة !!

كان اختباراً عظيماً، لكنهم تغلبوا علي شيطانهم، ربما لأنهم أعملوا عقولهم بعد حصولهم على الحكمة من وجود هذه البقرة بعد كل هذا العناء، وكأن كلام موسى إشارة قوية لصدقه وبيانه..

طلبوا من الفتى استبدالها ببقرتين فرفض وصولاً لعشر بقرات فرفض..

فقدموا عرضاً مغرياً.. وزنها ذهباً فرفض ووافق على وزنها عشر مرات من الذهب، وباعها إليهم…

أحضروا البقرة لسيدنا موسى ثم ذبحوها كما أمرهم وهنا ستحدث المعجزة الكبرى التى يخلدها التاريخ، والقرآن الكريم..

هذه المعجزة سترعب الجميع كدليل صارخ على نبوة موسى وعظمة الله المحي المميت..

أمرهم موسى أن يأتوا بلسان البقرة ( حسب رواية عبد الله بن عباس) و هناك روايات أخرى مثل ذيلها، أو قدمها..

ليضعوه على الجثة، فينهض القتيل وسط ذهول الجميع، الذين ارتعدوا من هول المشهد العجيب..

ثم يتكلم القتيل بقدرة الله عز وجل ويحكي تفصيلاً ما حدث، لينقذ موسى بحكمة وقدرة خالقه عز وجل، لينقذ قومه من الفتنة والهلاك…

واعترف القاتل بكل ما اقترفته يداه ويتم تنفيذ حكم القصاص، حيث رفضت ابنة عمه الدية أو التسامح..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: