سبل النهوض باللغة العربية (1)
بقلم الكاتب والأديب مراد حسين
أولا : معلمو العربية
إن من نافلة القول وفضول البيان أن نتحدث هنا عن مكانة معلم اللغة العربية وقيمة الوظيفة التي يؤديها فى مجتمعه .
إن المعلم عامة – يتولى أجل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها فرد فى جماعة ، ولقد صدق أمير الشعراء فى قوله :
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعملت أشرف أو أجل من الذى
يبنى وينشئ أنفسا وعقولا
ومعلم اللغة العربية خاصه . يحتل بين المعلمين المقام الأسمى والدرجة العليا .
فإذا كانت وظائف المعلمين أكرم اعمال المجتمع ،
فإن تعليم اللغة العربية ،هو بحق أكرم وظائف المعلم ، فمعلم اللغه. لاريب .صفوة الصفوة ،وقائد القادة ،وفاضل الفضلاء بين المعلمين .
ومن ثم فإن العبء الذى يقع على عاتقه ثقيل ،وإن المسؤولية التى تناط به .هى بحق .جليلة وخطيرة.وإيماننا العميق بهذه القضية ، جعلنا نعمل جاهدين من أجل أن نجتمع سويا ،لكى نبحث ونتناقش هذه القضية ونقدم لها الحلول والرؤى المناسبة ،التى تهدف إلى سبل النهوض باللغة، والتخطيط الصحيح لتعليمها مستندين فى هذه المقام إلى تجارب وأفكار كبار الأساتذة والمعلمين والنهوض باللغة العربية ليس مساله ثقافية ،ولا هو مسألة تربوية تعليمية فحسب وإنما هو مع ذلك مسألة السيادة والأمن والاستقرار والمصير .فاللغة العربية هى وعاء ثقافتنا ،وعنوان
هويتنا ،والمحافظة عليها تعد محافظه على الذات والوجود
وهى اللغة المعاصرة الوحيدة التى اتصل تاريخها اتصالا كاملا دون انقطاع منذ وصلت إلينا نصوصها الأولى قبل ستة عشر قرنا من الزمان وقد أثبت
واقع اللغة العربية قدرتها الفائقة على.
استيعاب العلوم ،وما النهضة العلمية التى بدأت منذ أواسط القرن الثانى الهجرى إلا دليل بين على قدرة هذه اللغة على استيعاب العلوم والتعبير عنها، وكيف لا وهى لغة القرآن الكريم وهى أيضا لغة الفكر ، ولغة العلم ،ولغة الحضارة .ورحم الله حافظا حينما قال على لسانها :
وسعت كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آى به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات؟!
أنا البحر فى أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى؟!
وجدير بالذكر هنا أن بريطانيا فى عصرنا هذا تؤرخ للأحداث العظام التى تمر بها ،باللغة العربية ؛وذلك لأن لغتها دائمة التغير والتطور
اللغة عند شعوب غير العربية
نلاحظ على الصعيد العالمى أنه ما من شعب أراد الحياة العزيزة الكريمة إلا وتمسك بلغته الام أمام اللغات الغازية
ففى فيتنام -مثلا- دعا القائد الفيتنامى (هوشى مينه ) أبناء أمته قائلا :”لا انتصار لنا على العدو إلا بالعودة إلى ثقافتنا القومية ولغتنا الأم”
ويقول موصيا لهم :حافظوا على صفاء لغتكم كما تحافظون على صفاء عيونكم ، حذار من أن تستعملوا كلمة أجنبية فى مكان
بإمكانكم أن تستعملوا فيه كلمة فيتنامية ” وبعد هزيمة اليبان فى الحرب العالمية الثانية ، فرض الأمريكيون شروطهم المشحفة على اليبان المستسلمة ،مثل :تغير الدستور وحل الجيش ، ونزع السلاح
… وقد قبلت اليابان جميع تلك الشروط ماعدا شرطا واحدا لم تقبل به ،وهو التخلى عن لغتها القومية فى التعليم ، فكانت اليابان منطلق نهضتها العلمية والصناعية. ولم نذهب بعيدا ،فهذه إسرائيل أقامت كيانها على إحياء اللغة العبرية ، وهى لغة ميتة منذ ألفى سنة ، فأعتمدتها فى جميع شؤون حياتها .
وإذا كانت اللغة تعبر عن فكر صاحبها فكيف يفكر المرء بلغة الآخرين ؟!
لا شك سيظل مستجديا لفكر غيره يعيش فى كنفه ويدوره معه حيث يدور وليس من شك أن اللغة العربية أسطفاها الله -سبحانه وتعالى لتكون الوعاء لهذا الدين الذى ارتضاه الله تعالى لجميع خلقه ،وجعله الرسالة الخاتمه ، فتعلمها واجب على كل من يعتنق هذا الدين . وسلفنا الصالح كان يدرك قيمة لغته فيعرف قدرها حق العلم ، والنصوص الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى ، ومن تعلمها من غير العرب شهد لها بالسمو والعظمة . وهذا (لويس ما سينيون) المستشرق الفرنسى يقول :وباستطاعة العرب أن يفاخر غيرهم من الأمم بما فى أيديهم من جوامع الكلم التى تحمل من سمو الفكر وأمارات الفتوة والمروءة ما لا مثيل .
والحق ما شهد