رأي نقدي
الكاتب والناقد فخري محفوظ – العراق
تحية طيبة أصدقائي الكرام
نشر الصديق العزيز الأديب الأستاذ باسم أحمد عبد الحميد قصيدة للشاعر العربي السعودي الأستاذ سهل بن عبد الكريم ودعاني إلى دراستها وإبداء رأيي فيها .وإني إذ أشكره على ثقته بي وتحمسه لما أكتب، أود ان أشير الى قلة بضاعتي وكسادها في سوق النقد ، فليلتمس لي العذر الأصدقاء الكرام إذا ما وجدوا تقصيرا
القصيدة هذه تتألف من سبعة عشر بيتا وهي من البحر الكامل التام الأجزاء ومن العروض الأولى
( متفاعلن) ، وضربها مثلها ،
( متفاعلن متفاعلن متفاعلن
متفاعلن متفاعلن متفاعلن)
ولكن اللافت للنظر هو أن الشاعر نشرها كما لو أنها تنتمي الى الشعر الحر، ففي كل سطر تجد كلمة أو كلمتين ، مما جعل القراءة أصعب مما لو قدمها بالطريقة التقليدية المعتادة التي تقدم بها القصائد التي تتكون من ابيات تحتوي على شطرين : صدر وعجز.
يجد القارئ المتتبع أن هناك خلطا عجيبا و اضطرابا كثيرا في القافية التي اختارها الشاعر لقصيدته ، وإذا ما أخذنا البيت الأول من القصيدة ونظرنا في قافيته نجدها كلمة (أمرها) على رأي الخليل وهو الشائع ، أو (بأمرها) على رأي الأخفش،وهذا اقل تداولا من الرأي الأول، وإذا أردنا تحليل هذه القافية حسب حروفها نجد أن الرويّ الذي يجب أن تبنى عليه القصيدة هو حرف الراء ، وأما حرف الهاء الذي يوجد بعد الروي هو ما يسمى بالوصل ، وهو لا يصلح أن يكون هنا رويا لأن الهاء ليست أصلية في بناء الكلمة ، وأما الحرف الأخير وهو الألف فهو المسمى : الخروج ، والقافية هنا تخلو من الردف والتأسيس والدخيل وهي الحروف الثلاثة الباقية من حروف القافية الستة ،
الغريب في الأمر أن الشاعر استعمل قافية مختلفة ، ورويّا مختلفا لكل بيت من أبيات القصيدة تقريبا ، ويبدو أن الشاعر ظن أن الهاء هذه التي جاء بها واستعملها ، يمكن ان تصلح رويا ، وهذا خطأ فادح في نظام القوافي ، فإن حرف الهاء لكي يكون رويا يجب أن يكون من بنية الكلمة كما اسلفت آنفا أو أن يسبقها حرف مد (ساكن) ، قال الخطيب التبريزي في كتابه الكافي في العروض والقوافي :
( والهاء التي تتبين بها الحركة نحو: اقضِهْ و ارمِهْ لا تكون رويا ، ولا الهاء التي للتأنيث ، نحو : طلحة وحمزة ، ولا هاء الاضمار- يقصد هاء الضمير المتصل- ، نحو ضربته وضربتها ،فإذا سكن ما قبل الهاء كان رويّا نحو قوله :
ليس خليلي بالخليل أنساهْ
حتى أرى مصبحه وممساهْ
والهاء التي من الأصل – اي من أصل الكلمة وليست زائدة- تكون وصلا ورويّا. )
والكلام في هذه الأخطاء في القافية يطول كثيرا فكل بيت في القصيدة له قافية تختلف تماما بحدودها وحروفها وحركاتها ، ورصد هذه الاختلافات يطيل المقال ولا ارى وراءه من طائل .
في البيت الأول نجد الجملة ( لن أعيش سوى بها ) جملة ركيكة فرضها الوزن والإيقاع على الشاعر ، فإن (سوى) هي من أدوات الاستثناء التي يأتي بعدها اسم مجرور وهي تشبه الأداة الأخرى (غير) وإذا أراد التعبير بلغة سليمة يقول :
(لن أعيش مع أحد سواك) ،
في البيت الثالث جاء : (وكأنني خيطاً )، وهذا خطأ واضح نتيجة سهو الكاتب وكلمة (خيط) حقها الرفع خبراً ل (كأنّ). وفي نفس البيت الثالث ورد العجز هكذا:
(أو تنسج الأغلال في محبوبها )
والأغلال لا تنسج في المحبوب ، لأن حرف الجر في يفيد الظرفية ، فما معنى أنها تنسج الأغلال في داخل محبوبها ، على اعتبار أن الأغلال هنا هي مما ينسج كالخيوط والحبال و شباك العناكب .
في البيت الخامس يقول:
(محبوبتي في الهمس كانت قطة
والآن أضنت مسمعي بصراخها)
وارى انها مع صراخها فهي لا تزال قطة ، فالقطّة تهمس حين تتملق صاحبها و تزعق وتصرخ حين القتال والدفاع عن النفس، فهي تبقى قطة في كل الأحوال . ولو غير الشاعر كلمة صراخها بكلمة اخرى يبدل فيها القطة إلى كائن آخر أكثر ازعاجا بصراخِه لكان أفضل وأصوب.
في البيت السادس يقول:
(دوماً تغار من العطور على يدي
حتى زهدت من العطور عبيرها)
زهدت في الشيء أصح من قولك زهدت من الشيء ،والتعبير هذا غير سليم لغويا . أما كلمة عبيرها وقد جاءت مفتوحة فأرجو من الشاعر أن يشير إلى العلة في جعلها مفتوحة ويقدم لنا قراءته.
في البيت السابع يقول :
(انا لا تكبلني النساء جميعها
أو انحني يوماً لعسف جنونها)
أرى أن الشاعر كان ينبغي عليه استخدام (نون النسوة) احتراما للنساء !، أو أن يحذف هاء الضمير المتصل اذا ما اراد للجملة أن تكون صحيحة ، فتكون الجملة :
(انا لا تكبلني النساء جميعهن)
او:
(انا لا تكبلني النساء جميعاً)
والأمر عينه ينطبق على كلمة عسف جنونها الواردة في العجز.
وهناك ملاحظات لغوية أخرى أتمنى على القارئ العزيز أن يتأملها بدقة ، فإن تتبعها مما يُضجر القارئ ويُتعب المتتبع .
على مستوى النظم الفني تكاد تخلو القصيدة من كل أنواع الفنون التي تميز القصائد الذائعة الصيت . فليس في القصيدة من فنون البيان والبديع ما يجعلها في مصاف القصائد التي تسافر عبر الأزمان و تحفظها الأجيال .
وهناك اضطراب عجيب في أفكار القصيدة في علاقة الشاعر بمحبوبته وهذا الأمر يتطلب منهجا آخر لدراسة القصيدة غير المنهج الذي اخترته ، ويشكل مقالة طويلة أخرى يُشارُ فيها إلى اضطراب العلاقة بين الحبيبين وتأثير بيئة الشاعر على نظرته للمرأة .
وانا اذ اشكر الاستاذ الأديب الكبير باسم احمد عبد الحميد على دعوتي للكتابة عن هذه القصيدة ، أرى أنه قد استعجل بعض الشيء في اختياره هذا ولم يقدم أفضل ما لدى الشاعر الذي اكنّ له كل الاحترام والتقدير
وإليكم النص الشعري كما ورد عند الأستاذ باسم وفي صفحة الشاعر، وتقبلوا فائق الاحترام
٢٠ / ٨ / ٢٠٢٣ بغداد
النص:
ظنَّت بأنِّي
لن أعيشَ
سِوى بِها
كالعبدِ
مُنقَاداً
أسيرُ
بأمرِها
هَمجيَّةٌ
في الحُبِّ
أشقَتْ
خاطِري
ما كُنتُ
احسِبُ
أن أنُوءَ
بِحُبِّها
وكأنَّنِي
خَيطاً
تُحرِّكُ
طَرفَه
أو تَنسجُ
الأغلالَ
فِي مَحبوبِها
لمَّا كَتبتُ
الشِّعرَ
مِن وهجِ
الهَوى
ظَنَّت
بأنَّ الحرفَ
أصبحَ
مِلكها
محبوبَتِي
فِي الهمسِ
كانت قِطَّةً
والأنَ
أضنَتْ مَسمَعِي
بِصُراخِها
دَوماً تَغارُ
مِن العُطورِ
على يَدي
حَتَّى زَهدتُ
من العُطورِ
عَبيرَها
أنا لا تُكبِّلُني
النِّساءُ جميعُها
أو أنحني
يوماً
لعسفِ
جُنونِها
يا طِفلتي
أنا في الحنانِ
مُسالِمٌ
لا تُخرجِي
مِنِّي المَخالبَ
كَلَّها
أنا
مَن أُكبِّلُ
في الهوى
مَحبوبَتي
وإذا رَغبتُ
فَفي يميني
عِتقُها
ونقشتُ
بالأشعارِ
ألفَ قصيدةٍ
لمّا سئمتُ
مِن الهُراءِ
مَحوتُها
أتعبتِني
لمّا جهلتِ
خَرائطاً
للوَصلِ
في رُوحي
وهبتُكِ
سِرَّهَا
إنّي التقيتُك
في الصَّبايا
صَفحةً
بيضاءَ
أهواها
وأُتقِنُ
رَسمهَا
أبدعتُها
حتَّى تمرَّدَ
لونُها
فأتَت بِريشَتها
لتُفسِدَ
وجهَها
محبوبتِي
صَبراً عليَّ
فما أنا
إلا حَبيبٌ
للمَها
وعُيونِها
كُلُّ الذِي
قد كانَ
قبلَكِ
في الهَوى
قد صارَ
ذِكرى
في الغرامِ
نسيتُها
هيا اسكُنِي
فِي بيتِ
قلبي
واهدئي
شِدنَا صُروحاً
لا يجُوزُ
حَريقُها
أو سوفَ
أغدُو
مِثلَ سيفٍ
باترٍ
وارى رُؤساً
ذا أوانُ
قِطافِها