دكتور علاء الدين حافظ يكتب: التطور التاريخي للفن التشكيلي في مصر (3)

التطور التاريخي للفن التشكيلي في مصر (3)

دكتور علاء الدين حافظ

 

قام الفنانون الفرنسيون بتسجيل مفردات الحياة اليومية المصرية والعادات والتقاليد الشعبية ومناطق الأثار، ومظاهر الاحتفالات الرسمية والشعبية،وتصويراللوحات الشعبية لشيوخ هذا العصرمثل :عبد الله الشرقاوى – والسادات – البكرى وغيرهم0 وقام الفنانون الفرنسيون بتسجيل مفردات الحياة اليومية المصرية والعادات والتقاليد الشعبية 0

ويرى كثير من النقاد والمفكرين ويتفق الكاتب مع هذا الرأى بأن النهضة المصرية بدأت مع الحملة الفرنسية حيث أصطحبت أعداداً كبيرة من الفنانين والمبدعين ، وكان هذا سبباً فى توجيه أنظارالصفوة من المصريين إلى أهمية هذا المجال المجهول 00 مجال الفنون التشكيلية 0

النفوذ الإنجليزى على الثقافة المصرية الشعبية :

أما النفوذ الإنجليزى قد بدأ في مصرعام 1775م بعد عقـد معاهدة مع ” محمد بك أبو الذهب”  لفتح ميناء السويس أمام التجارة الإنجليزية الوافدة من الهند ، وبعد عام أسسوا قنصلية بالقاهرة بعد تلك المعاهدة ، ساعدت بعض الضباط والتجار والموظفين على عبور الصحراء على طريق السويس إلى الهند .

وبعد عشرسنوات من ذلك التاريخ في عام 1875م عقد الفرنسيون اتفاقية مماثلة مع المماليك، بعد أن دخل أسطولهم الموانئ التونسية واحتلوها ونالوا امتيازاً واحتكروا صيد المرجان في عام 1880م ، وكان قد شجعهم هجومهم ونجاحهم في السيطرة على الجزائر 1830 م 0

وبعد ذلك بتسع سنوات سيطرت بريطانيا على عدن 1839م للسيطرة على سواحل شبه الجزيرة العربية، وقامت بحملتها على مصر 1882م وجعلتها قاعدة لإحتلال السودان1894م واستطاعت إيطاليا السيطرة على ليبيا 1911م وغزت فرنسا المغرب 1912م وتمت السيطرة الاستعمارية على المغرب العربي بالكامل ، لتحقيق أهداف الغزو سياسياً واقتصاديا وحضارياً .

حاول المستعمرون ترسيخ مفاهيم الثقافة الوافدة ونقل الأنظمة السياسية في بلادهم عن الديمقراطية، بعد أن استحدثوا نظماً جديدة للتحالف مع القوى الداخلية في البلاد من كبار المزارعين والتجار والإقطاعيين وظهرت طبقة البرجوازية العربية بمفاهيم السياسة الغربية وتحولت سريعاً إلى برجوازية كبيرة ، وصولاً إلى الرأسمالية والتي لا تمتلك قوة الرأسمالية الغربية إلا تحت الوصاية الاستعمارية .

وكان للنهضة المصرية في القرن التاسع عشر دور مميز بتحريك الوعى بطبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة العربية… وبدأت أولى مظاهر الانفتاح والتوسع الاقتصادي على أوروبا ، وتحققت إنجازات صناعية وتقنية عسكرية ..

تبلورت النهضة المصرية في فترة حكم محمد على باشا وانسحب تأثيرها على الواقع الاجتماعي والثقافي وحافظت فنون العمارة والزخرفة والموروثات الشعبية والتقليدية والفنون التطبيقية الأخرى على شخصيتها واستمراريتها .

أما الفنون في مصر الحقيقية ، فقد ظلت عاجزة عن التعبير عن نفسها بأسلوبها الخاص ، ولم يحظ فن الرسم والنحت في عهد الخديوي إسماعيل بمثل ما حظيت به الفنون الأخرى من الفن : التمثيل ، والغناء و الموسيقى 0

إضافة إلى الإهتمام بحملات التنقيب عن الآثار كانت ظروف الفن التشكيلي في مصر مرتبطة بنشاطات الأجانب في فترة الحملة الفرنسية الأولى على مصر ، والتي أصطحب معها أطباء وعلماء ومهندسين وأدباء وفنانين …قام رسامو الحملة الفرنسية بتصوير الجوانب المتعددة من الحياة اليومية بأسلوب توثيقي تسجيلي وتأثيري وانطباعي …واتفقوا على أقامة معرض مشترك بصالة الأوبرا الخديوية في عام 1891م ، واستمروا في أقامة المعارض التشكيلية (رسم ونحت وحفر) حتى عام 1898م والكثير من هذه الأعمال تم حفظها في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية.

أُصُيبت النهضة المصرية بصدمة بعد أن تـآمر الإنجليز على الثورة العرابية 1882م ، وبدأت مرحلة جديدة تبلورت فيها حركات ثقافية في الشعر والأدب والقصة والفنون والصناعات والحرف الشعبية .

بدأ الأدب مع حسين المرصفى والمويلحى ومحمود تيمور وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي ومحمود خليل مطران، وكان للمثقفين المصريين دور مهم فى توجيه الأنظار إلى العناية بالفنون ورعايتها أمثال :  ” قاسم أمين ” و ” لطفي السيد ”  و ” فرح أنطون “0

وفى تلك الأثناء كانت مصر تمر باتجاهات سياسة مختلفة تتمثل في الخلافة العثمانية والقصر الحاكم في فترة الخديوي عباس الثاني ، ثم الإنجليز المحتلون الذين شكلوا جبهة ضد الثورة العرابية لعلاقتهم السابقة مع الخديوي توفيق ، وما مرت بة مصر في تلك الأثناء من حادثة دنشواى المأسوية والمجزرة التي تمت على يد اللورد كرومر .

وكان هناك أتجاه رابع يتمثل في القوى الوطنية المصرية والتي قادها حزبان هما :

الأول : الحزب الوطني ذا النزعة الإسلامية المرتبطة بشكل الخلافة وكان يرأسها مصطفى كامل  ( 1874 – 1908 )

الثاني : حزب الأمة بزعامة لطفي السيد ( 1872 – 1963) الذي سعى إلى تهيئة المصريين لتبعات الاستقلال ، كمعرفة لأساليب الديمقراطية والدستور والبرلمان .

لكن الجدير بالذكر أنة مع ظهور الأستعمار الغربى أنتقلت الأنماط والأساليب المعمارية من أوربا للبلاد العربية وخاصة مع بداية الخلافة العثمانية ، فتأثرت العمارة بالطراز الباروكى والكلاسيكى الفرنسى خاصة مدن جنوب المتوسط ، وشجع ذلك السلطان محمود الثانى وفى مصر محمد على والخديوى إسماعيل، وبذلك وصلت حداثة مبكرة ليست فى العمارة فقط ولكن فى الفنون الموسيقية والاداب وأيضاً فى ثقافة طبقة الحكام والأمراء0

كان بالضرورة أن تنشأ حالة إنجذاب لتقليد الغرب من جهة وحالة خصام مع التراث القومى المحلى من جهة، وأصيب المشرق العربى بحالة الإحساس بالدونية تجاة الذات بتأثيرالوافد الأوربى،لأن التراث أصبح لدى القوميات المحلية الشرقية مرادف للتخلف ومظهرمن مظاهرالجهل،لإرتباطه بالماضى فغاب التراث فى الفنون والآداب الشرقية لمدة طويلة0

إنشاء مدرسة الفنون الجميلة في مصر :

كان لحركة التنوير دوراً كبيراً فى تشجيع عدد من الفنانين الأجانب المقيمين في مصر في طرح فكرة إنشاء مدرسة لتعليم الفنون الجميلة للمصريين ، على نسق الأكاديميات الأوروبية في فرنسا وإيطاليا على يد الأمير يوسف كمال ، الذي تحمس بدوره للفكرة وأنشأ المدرسة بأحد بيوته بدرب الجماميز في 12 مايو 1908م ، أنفق عليها من ماله ، فكان ناظر مدرسة الفنون الجميلة المثال الفرنسي ” لابلان ” ومعــلم التصوير الفنــان الإيطالي ” فورشـيلا ” و ” كــولون ” لتــدريس الزخرفة و” بيرون ” لتدريس العمارة .

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: