خيرى طه أحمد يكتب: قطوف من حلقات الرد على شبهات المشككين . (4)
قطوف من حلقات الرد على شبهات المشككين . (4)
بقلم / خيرى طه أحمد
الرد على شبهة ﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾
اختلط على كثير من الناس فهم معنى أن الله تعالى – يضل من يشاء ويهدى من يشاء ، ويقولون إن كان الله تعالى هو الذي يهدي ، وهو الذي يضل ، فلماذا يحاسب الإنسان ؟.
الرد على هذه الشبهة :
يقول فضيلة الشيخ / الشعراوى – رحمه الله – في تفسيره : قَالَ تَعَالَى ﴿ فَإِنَّ الِلَّهِ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ فَاطِر : 8 .
هذه الآية وقف عندها كثيرون ، يقولون : إن كان الله هو الذي يهدي ، وهو الذي يضل ، فلماذا يحاسب الإنسان ؟ .
ولا بد لتوضيح هذه المسألة أن نبين معنى يهدي ويضل ، يهدي يعنى : يدله على طريق الخير ويرشده إليه ، وهذا الإرشاد من الله لكل الناس ، فمن سمع هذا الإرشاد وسار على هداه وصل إلى طريق الخير ، فكان له من الله العون وزيادة الهدى ، كما قال سبحانه :
﴿ والِذِينْ اهَتْدُوا زَادَهُمْ هُدَى وَأَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ مُحَمَّدْ : 17 .
أما الذي أغلق سمعه فلم يسمع ولم يهتد فضل الطريق وانحرف عن الجادة ، فأعانه الله أيضاً على غايته ، وزاده ضلالا ، وختم على قلبه ليكون له ما يريد ، فلا يدخل قلبه إيمان ، ولا يخرج منه كفر ، وهؤلاء قال الله فيهم: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مُرْضٍ فَزَادَهُمْ الِلَّهِ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ البقرة : 10.
لِذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ ثَمُودَ ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ ﴾
فصلت : 17. فمعنى ﴿ هدَيْنَاهُمْ ﴾ يعني : دللناهم وأرشدناهم لطريق الخير ، ولكنهم رفضوا هذه الدلالة وعارضوا الله فضلوا فأضلهم الله . يعني : زادهم ضلالا .
وسبق أن أوضحنا هذه القضية وقلنا : هب أنك تريد أن تذهب إلى مكان ما ، ووقفت عند مفترق الطرق لا تدري أيهما يوصلك إلى غايتك ، فذهبت إلى رجل المرور تسأله أين الطريق ، فدلك عليه فشكرته وعرفت له جميله ، فلما رآك مطيعاً له ، شاكراً لفضله قال : لكن أمامك في هذا الطريق عقبة سأسير معك حتى تتجاوزها ، هكذا يعامل الحق سبحانه المهتدين .
﴿ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ محمد : 17 .
وَقَدْ خَاطَبَ اَلْحَقُّ سُبْحَانَهُ نَبِيه بقوله سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ القصص : 56 . وخاطبه بقوله ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ الشورى : 52 .
فأثبت له الهداية بمعنى الإرشاد والدلالة ، لكن نفى في حقه الهداية بمعنى المعونة على الهدى ، فالذي يعين هو الله .
ثم إن الحق سبحانه لم يترك هذه المسألة هكذا ، إنما بين من يهديه ومن يضله ، فقال تعالى ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ المائدة : 67 .
وقال تعالى ﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِين ﴾ الصف : 5
وأي هداية للإنسان بعد أن كفر بالله ، وفسق عن منهجه ، وأفسد في البلاد ، وظلم العباد ؟ .
وقوله تعالى : ﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ فاطر : 8 .
يعني : لا تهلك نفسك حسرة على عدم إيمانهم ، وهذا المعنى شرحه الحق سبحانه في قوله تعالى :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً ﴾ الكهف : 6
فرسول الله كان حريصاً على هداية قومه ، يألم أشد الألم حين يشرد أحد منهم عن طريق الإيمان لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدْ : ﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌعَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ التوبة : 128. انتهى
لا شيء يخرج عن مرادات الله تعالى :
—————
فمعتقد أهل السنة والجماعة أن الهداية والإضلال بيد الله تعالى ، وأنه سبحانه خالق أفعال العباد ، وأنه هو الذي جعل المهتدي مهتديا وجعل الضال ضالا ، وأنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بمشيئته سبحانه .
فمعنى يضل من يشاء ويهدي من يشاء : إنه يجعل من يشاء مهتديا ، ويجعل من يشاء ضالا، وليس معنى هذا نفي مسؤولية العبد عن أفعاله ، بل العبد قد ضل بمشيئته واختياره وإرادته ، ولكنه لم يفعل ذلك إلا بمشيئة الله واختياره ، كما قال تعالى ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ التكوير : 29 : 28 .
قال ابن القيم – رحمه الله : وقد اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وأنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد ، وأن العبد هو الضال أو المهتدي باختياره ، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره ، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه .
فإذا علمت معنى إضلال الله للعبد ، فاعلم أن هذا الإضلال يكون بحجب الله توفيقه عن العبد ، وتخليته بينه وبين تلك الذنوب ، فإذا خلى الله العبد ونفسه الظالمة الجاهلة أوجب له ذلك أن يختار الضلال على الهدى ، فيزيده الله ضلالا على ضلالة باختياره ، ولله في ذلك كله الحكمة البالغة ، ففعل الله كله خير ، ولا يتطرق الشر إليه بوجه من الوجوه ، وإنما الشر في فعل العبد وهو منسوب إليه .