حمادة عبد الونيس يكتب : روحي التي حلقت !

روحي التي حلقت !

تخرج في كليته العريقة شابا قويا فتيا مفتول العضلات لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب وإنما كان يروض وحوش الفاقة يصرعها حينا وتنال منه أحايين كثيرة ،لكنه كان عصيا على الانكسار ذا أنفة وشموخ !
يصرع جيوشا كاملة غير آبه بقدها وقديدها تبا لسطوة تحيل الفولاذ تبنا أو عصفا مأكولا!
مازال برد حديثها يتغلغل في شغافه يوم أنقذها من براثن ثلاثة شياطين طاردوها في المنحنى الأخطر تحت كوبري الجامعة :
لقد أنقذت حياتي ،ولدت على يديك من جديد ،ورأس أبي ،لن أكون لغيرك يوما ما وإن قدموا لي جبال الأرض ذهبا !!
لا ترهقي نفسك ،ولا تبرمي أمرا في رحم الغيب ،أنت في حل منه !!
ومن أنا حتي أحظى بقلامة أظفر من أخمص قدميك!
أنت سيدي وتاج رأسي!
تنطلق سيارتها تبتلعها المدينة التي بلا قلب ،يغيب وسط الزحام، متنقلا من بلد إلى بلد ، يكابد الأمرين لا ذنب له ولا جريرة أن ولد في الدويقة،لم ير أمه قط ،بل لم يلتقم ثديها هوت صخرة عقب ولادتها فعجنتها في الإسفلت بينما كان صاحبنا في لفافة من العبك في طريقه إلى مستشفى “أبو الريش “لسحب ماء المشيمة الذي تسرب إلى رئتيه فكاد يلفظ أنفاسه !!
يتزوج الوالد الذي كان “تربيا “من أمينة بنت كامل الجيار التي أولته اهتمامها وقامت على أمره كأنها أمه لم يشعر لوهلة واحدة أن أمه قد حلقت بجناحيها نحو العالم الآخر !
أنجبت أمينة ثلاث بنات :
هندا، وسلمى وليلى !!
كن شبيهات القمر ليلة التمام ،يخترم الموت الوالد المكافح، تنهار عليه مقبرة لم تتحمل أقدام جموع غفيرة خرجت لصلاة الجنازة على بلال الذي قتلته يد الغدر وحشرت لفافة الحشيش في حلقه حشرا في تمثيلية قذرة لم يرتق بطلها إلى درجة كومبارس !!
يدفن عم صابر التربي داخل المقبرة التي انهارت عليه ومن عجب أن تكون هي عين المقبرة التي دفنت فيه زوجه الأولى أم مجاهد !!
للأرواح عناق طويل وقصة حب سرمدية !!
يثقل الحمل على مجاهد ،يشيع أباه بدموع منهمرة ومآقي من شدة البكاء كأنها جمرة !!
تناديه أمه أمينة :
مجاهد يا ولدي ،الآن كسر ظهري وأصبحت في حيرة من أمري وليس لي وأخواتك البنات بعد أبيك إلا أنت يا نور عيني !
لبيك أماه !
لا تخافي ولا تحزني ،تهون الحياة وكل يهون
لكنك أنت وأخواتي لا تهن والله لن ينال منكم حزن وأنفاسي في صدري تدخل وتخرج !
مرت الأيام أرخي لباس الستر على أخواته ،أنجبن إناثا وذكورا !
مازالت وفاء التي ما غاب طائفها عن ناظريه متربعة على عرش قلبه لكنه الفقر حجاب حاجز !
هل ما زالت عند وعدها ؟!
لا تمن نفسك يا مجاهد !
عش واقعا كتب عليك ،لا تنظر إلى الشمس فتسحب بصرك !!
أتبكي وفاء وقد ضيعتها !
ألم تزرك مرات ومرات ؟!
ألم تطلب إليك الزواج منها في شقة أسستها بحر مالها !
ألم ترفض ابن عمها الذي يعمل في السفارة من أجل عيونك ؟!
يالك من جاحد !!
يرفع الماء إلى فيه يتجرعه علقما لا يكاد يسيغه
كل حي يموت إلا الحي صاحب الملك والملكوت !
لتبق صورتها شاهدة على حياتها في قلوبنا !!
من يف فلن يموت
كانت الدموع عالقة في جفنيه تناديه روحها ،لا يزايله طيفها !
اخسأ يا مجاهد !
ما أتعسك يا مجاهد !
إن أنس فلن أنسى سلسلتها الذهبية تضيئها حروفها التي نسختها بمداد قلبها :
إن يهنأ مجاهد فكل العالم قد هنأ
تسمرت الدموع في وجنتيه
بردت أطرافه سقط مغشيا عليه !
مرتطما بالمرآة التي كلما نظر فيها تبدت له بدرا آخاذا يسلب لبه !
يأتي الطبيب على عجل :
انهيار عصبي حاد !
لابد من ملازمة الفراش وأخذ العلاج في أوقاته مع عدم تركه وحيدا داخل الغرفة!
حرام علي بنات حواء من بعدك يا وفاء
هل يرقى التراب إلى التبر ؟!
ما كان ينبغي للثرى أن يصير ثريا
متى آض الملح الأجاج عذبا وريا !
هل يسابق شر الحمير خيلا عربيا !
قضيت نحبك ولم تغدري
وصنت الوداد ولم تفجري
أناديك بل أناجيك
مقسما عليك
إن جدت بنظرة أو زورة
فأقبلي علي ولا تدبري !
جاهدت وتريثت واخترت العناء
لأجل راحتك يا وفاء !
أنت مليكة الإيوان
رئيسة الديوان
أنت روحي وبلسم جروحي
لكن الفقر قاس
يضيع الحب
ويذل رقاب الناس !!
تالله لقد أحببتك حبا لو وزع على الثقلين
لوجدوا له بلسما وريا
ومازال رغم الموت
حبك في قلبي غضا طريا
وأنا على العهد باق ما دمت حيا
لأجل عيونك أصلي كل مساء
ومن أجل خلودك أطيل الدعاء
تقولين لي في أول لقاء
أنت سر حياتي
وحلم عمري الآتي
بل أنت التي صنت وما خنت
وكنت لي أرضا وسماء
ستتعانق أرواحنا يوما
وإن عز اللقاء
إن ربي قادر
-سبحانه-
على تحقيق الرجاء !!

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: