جهاد محمود تكتب : أين ذهبت بهجة التعلم؟ 

 

إن التعلم الناجح يحتاج إلى صبر ومثابرة وعزيمة وإرادة ورغبة من جميع القائمين على العملية التعليمية على اعتبار أن العملية التعليمية منظومة متكاملة وشاملة، فطلب العلا دائمًا يحتاج إلى مشقة يقطعها الإنسان ويصبر عليها، وهذه المشقة عبارة عن تكاليف لا بد من دفعها، ومن ثم فهي التي تميز بين العظيم والوضيع، بين العالم والجاهل، لذا يقول أبو الطيب:
لولا المشقة سادَ الناسُ كلهُمُ….الجودُ يُفقر والإقدام قتّالُ
لقد أصبح تحقيق البهجة والسعادة في البيئة التعليمية هدفًا وهاجسًا ومستمرًا لدى كل أطراف العملية التعليمة بكل مستوياتها بداية من الوزارة ومرورًا بالمؤسسة التعليمية؛ المدرسة والجامعة وإدارتها ومعلميها وطلابها وأسرهم وأولياء أمورهم، حيث يسعى كل طرف منهم في تحقيق ذلك الهدف من زاويته الخاصة بحيث يحقق تكامل تلك الزوايا الهدف المنشود، متمثلًا في السعي نحو نشر السعادة والبهجة في كل الأرجاء وبين كل الأطراف بما يؤدي إلى تحقيق أهدافه في جو من المتعة والبهجة والطمأنينة؛ لذلك لا بد من وجود ما يسمى بـ (بهجة التعلم) فهو الدافع لذهاب الطالب إلى المدرسة برغبة، وحب الطالب للبقاء في الفصل للتعلم والمعرفة وزيادة خبراته ومهاراته الحياتية وتنمية القيم الإيجابية لديه دون الشعور بالملل أو الضجر أو الضيق.
فبهجة التعلم هي حالة من فيض السرور والاستبشار والنور والحسن والنضارة لدى المعلم والطالب، وحالة تهيؤ عقلي ورضا نفسي وانطلاق روحي تنشئ حالة من الإقبال على الحياة والنشوة بها، وتلازم عملية التعلم وتكون حاضرة دائمًا؛ لتخفف العناء وتزيد النشاط لدى الطلاب، وتبعد عن الطالب أي كلل أو ملل أو فتور، وتعد البهجة بعدية تالية للتعلم وسرور بانتهائه على أكمل وجه، وليس مجرد الانتهاء منه، بهجة إنجاز وإتمام لأنشطة التعلم وتحقيقًا للأهداف التربوية المنشودة، لذلك فبهجة التعلم يجب الاهتمام بها والتفاني من أجل إشاعتها بين الطلاب.
لذلك أوضح وزير التربية التعليم الدكتور رضا حجازي، أن شعاره الذي يؤمن به هو: “بهجة النشاط ومتعة التعلم”، لافتًا إلى أن هذا ما ستسعى الوزارة لتحقيقه بالعام الدراسي الجديد.
ورغم ذلك نرى في عصرنا الحالي كثيرين لا يصبرون على طلب العلم وتحصيله وتكاليفه، بل إن أبناءنا لا يقبلون عليه إلا تحت ضغط الأهل، وتهديد الرسوب، فنسمع وفنرى ونعايش كثيرًا تسرب الطلاب من التعليم، وهذه مشكلة كبرى في حاجة إلى دراسة وعلاج.
ويعد تحقيق مبدأ “بهجة التعلم” حلًا لمشكة النفور من المدرسة وكراهية التعلم والتحصيل لذلك استقطبت “بهجة التعلم” الاهتمام الشديد لدى التربويين والأكاديمين وجميع المهتمين بالعملية التعليمية ومستقبل الأبناء، ما حدا بهم لوضع عدة قواعد ومبادئ وأسس تجعل من التعلم بهجة، ومنها:
– الاهتمام بتعلم الطلاب المستمر على اختلاف مستوياتهم التعليمية وطبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية دون تفرقة.
-تفعيل “الإنسانية في التعامل” مع جميع الطلاب ومراعاة الفروق الفردية بين جميع الطلاب.
– أن نبين ونوضح للأبناء الطلاب شرف العلم وأهميته ومنزلة العلماء، وأن نغرس فيهم حب العلم بكل السبل المتاحة، من خلال ضرب أمثلة من جميع الديانات السماوية التي رفعت من شأن العلم ومنزلة العلماء، وأن الله عز وجل قد ألحق أهل العلم منزلة رفيعة، فهم مبلغو الرسالات؛ حيث قال تعالى: ﴿وَلَوْ رَدوهُ إِلَى الرسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ (النساء: 83)، وقولهﷺ: يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء. فأعظِم بمرتبة هي تلو النبوة وفوق الشهادة، مع ما ورد في فضل الشهادة، كما أن شواهد فضل العلم والتعلم والعلماء من القرآن والسنة النبوية الشريفة لا تحصى، فقد قال الله عز وجل: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾(المجادلة: 11)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام.
– ضرورة التكامل والتعاون بين كليات التربية وقطاعات الوزارة لتخريج معلم كفء يدرك مهامه التدريسية ويتقن أداء مهاراته وكفاياته التربوية والأكاديمية المختلفة؛ حيث أكد الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم، أن المعلم لن يستطيع أن يعطي إلا إذا شعر بمكانته ووضعه، لذلك قرر تعميم ملصقات ولافتات” قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا. كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا” بجميع مدارس مصر في العام الدراسي الجديد، على أمل أن تكون ملصقات واقعية حقيقية وليست مجرد شعارات وهمية…
– ضرورة دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية بما يساعد على الاستمتاع والانخراط في التعلم.
– إعداد بيئة صفية مناسبة يسودها المرح وذلك بدمج أنشطة المتعة العلمية في الدروس.
– تكليف الطلاب بإجراء التجارب بأنفسهم؛ لأنهم يجدون المتعة والبهجة في الممارسة.
– مراجعة الدروس بصورة مرحة وممتعة من خلال إستراتيجيات التعلم النشط المختلفة.
– الخروج عن الجو التقليدي للصف من خلال الرحلات العلمية واقعًا وافتراضًا.
– تكوين فرق العمل والمجموعات التعاونية بين الطلاب؛ لأنها تسهم في تنمية مهارات التواصل والتعاون والتفاعل والحوار والقدرة على تحمل المسئولية وإتخاذ القرار المناسب.
– إعطاء استراحة لعقول الطلاب من خلال أنشطة كسر الروتين.
– إنشاء مراكز التعلم؛ لأنها تعطي الطلاب خيارات متعددة للتعلم.
– تعريف الطلاب بقدراتهم الأعلى من خلال الذكاءات المتعددة التي توجه الطريقة التي يتعلمون بها.
ختامًا إن بهجة التعلم لا تتحقق لدى الطالب إلا بغرس حب العلم في نفسه والرغبة الصادقة في طلبه والصبر على تحصيله، واحترام المعلم وتقديره ماديًا ومعنويًا وإعلاء شأنه، التعاون بين جميع القائمين على العملية التعليمية لحل مشكلات التعليم أول بأول ومعاقبة المفسدين وكل شخص مقصر في أداء عمله، ونأمل جميعنا أن يتغير الوضع التعليمي ونسمع “التسرب إلى التعليم وليس من التعليم” ، فهل تصبر أنت أيها الطالب وولي الأمر على كسب العلم ومُرّ التعلم؟ وهل نصبر نحن جميعًا على شيء هو حاضرنا ومَهدُ مستقبلنا؟ “لا تسلبوا بهجة التعلم من التعلم”؛ حتى يشعر الطلاب بفرحة وسعادة بداية الدراسة، ولنحقق الأهداف التربوية المنشودة التي تسعى إليها وزارة التربية والتعلم وذلك كله لنربي جيلًا قادرًا على التعلم المستمر والتحدي ومواجهة تغيرات المستقبل المستمرة غير المتوقعة التي لا تعترف إلا بالأقوياء من المتعلمين الذين يمتلكون العلم والمعرفة والخبرة والمهارات الحياتية المختلفة.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: