ثقافة الفقر

ثقافة الفقر

بقلم: الناقد الأستاذ عبد الله جمعة

إحساسٌ بالدُّونيَّة ؛ دونيةِ المال ، العلم ، الذكاء ، المكانة ، الصدق ، الوسامة  ، الأمان ، النسب …

وحين قسم الله الأرزاق لم يمنح عبدًا كل شيء ، بل قسم له شيئًا من الدونية ؛ فمن الناس من أصابته الدونية في ماله ، ومنهم من أصابته الدونية في علمه ، ومنهم من أصابته الدونية في ذكائه ، …. وهكذا .

إذن بمنطق وطبيعة الأمور فكلنا فقيرٌ ولا غنيَّ مطلقًا بين بني البشر ، والإحساس بالدونية إحساس مُربِكٌ قاتل ، يدفع الإنسان دومًا إلى العداء ، عداء كل ما يرى نفسه دونَه ؛ فصاحب دونية المال يقف في صف العداء من غني المال ، وصاحب دونية العلم يقف في صف العداء من العالِم ، وصاحب دونية الذكاء يقف في صف العداء من الذكي …. وهكذا أيضًا .

لذا لا نجد بشريين يجتمعان على حُبٍّ وإن جاهدا في إظهار ذلك …

نعم هناك من يحاول أن يجهد نفسه ليبدو مثاليًّا في حبه وإخلاصه ، وهذه من المحامد في بعض بني الإنسان ، لكنه – ومع مجاهدته في إظهار حبه ومثاليته – لا يخلو أن تتضمن نفسه عداء لمن يشعر بالدونية أمامه …

ولأن الله قد خلق الإنسان ، وهو أعلم بنفسه منه فقد أقر له بالدونية منذ بدء خليقته ونعته بالظلوم الجهول .

ومن عجائب الخلقة الإنسانية أن الفقير دومًا يعتز بفقره ، ويرى نفسه الأصلح والأصوب ، ودومًا ما يلوم ويسخر ويتهكم على كل من يشعر أمامه بالدونية ، أيًّا ما كان نوع هذه الدونية .

وهناك من الأمم من أدركت ذلك وسعت لمعالجته ؛ لأن هذا الفقر يتسبب مع لحظات الغباء المفرط إلى معول هدم ، فحاولت تلك الأمم أن تربي نشأها على ثقافة أن المفقود عندك تستطيع أن تتكامل به مع من يمتلكه ، والعكس صحيح ، فنشأ ما يسمى بـ (روح الفريق) حيث يتكامل الأفراد في المجتمع السوي فيكمل كل إنسان بما لديه نقص أخيه فلا يشعره بالفقر .

وفي علم نفس الشعوب تسمى الأمة التي وصلت إلى هذا المستوى من التفاهم حول الفقر بأمة الأحرار ، والتي لم تصل إلى هذا المستوى من التفاهم حول ثقافة الفقر بأمة العبيد .

وأمة العبيد تلك التي تقبع في دائرة التحاسد والتغابن والتهكم والسخرية من كل ذي زيادة وبسطة تكشف دونية الآخرين من أبنائها في أمر من الأمور التي ذكرتُ سالفًا .

أمامنا شوط طويل حتى نصبح أمة أحرار.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: