ثقافة الصورة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على النصوص الأدبية والثقافة (2)
ثقافة الصورة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على النصوص الأدبية والثقافة (2)
أ.د/صبري فوزي أبوحسين
عضو اتحاد كتاب مصر
ولمواقع التواصل الاجتماعي أثر في مجال الابتكار الفكري: حيث يكون أمام المبدعين الرقميين فرصة مرنة لفتح آفاق فكرية جديدة وكبيرة ورائدة وتبادل الرؤى حولها لإنجازها وتطويرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يسمى الإبداع الرقمي، والنقد الأدبي التفاعلي، اللذين يدلان على إلغاء الحواجز والفوارق بين المبدع والناقد من جهة، وبين النص والمتلقي من جهة ثانية؛ إذ يحظى النص الأدبي الواحد بتفاعل نقدي فوري عن طريق جمهور متلق كبير، متنوع زمنيًّا ومكانيًّا وعقليًّا ومذهبيًّا…كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في توسيع مساحة التلقي وتنويعها، بزيادة التفاعل بين القراء والمبدعين، فصار لكثير من الكتاب المحترفين حسابات على صفحات التواصل الاجتماعي، وصار لهم من يتابعهم، وهم يعدون بعشرات الآلاف، وصار الكاتب، يتلقى التعليقات على أعماله من قرائه ومتابعيه فوريًّا، في شكل مدح ومجاملة أحيانًا، وفي شكل تساؤلات جادة ومناقشات موضوعية وتعليقات ناقدة، أحيانًا أخرى، وقد تكون مهذبة، وقد تكون غير ذلك، حسب التابع المعلق المنفعل مع النص والناص..
6-إفادة في بناء النص الأدبي:
لوسائل التواصل الاجتماعي وللصورة أثر في البناء الفني للنص الأدبي، ونجد هذا في إبداعات كثير من الأدباء السردية والغنائية على السواء؛ حيث يذهب المبدع الأدبي بإبداعه إلى المتلقي، ومن ثم يعمد إلى تكثيفه واختزاله وجعله ومضيًّا برقيًّا، حتى يجذب قارئ عصر السرعة ذلك القارئ الملول، وهذا ما يسمى بالأدب الرقمي الذي ظهر في عالمنا العربي منذ أوائل الألفية الثالثة، وقد كثرت الاصطلاحات المعبرة عن هذا الأدب المنفعل بالوسائط الإلكترونية، والمنشور عبرها، فكل باحث يسميه التسمية الخاصة به، فصرنا أمام كم كبير من التسميات العشوائية، منها: “الأدب المترابط”، و”الأدب التفاعلي”، و”الأدب الإلكتروني”، و”الأدب المعلوماتي”، و”الأدب الرقمي التفاعلي”، و”الأدب التشعبي”، و”الأدب الشبكي”، و”الأدب العابر”، و”الأدب المفرع أو المتفرع”… إلخ
هذا، وتوجد ثلاثة أنواع من النصوص الأدبية: نصوص ورقية في المقام الأول ثم نشرت إلكترونيًّا، ونصوص بدأت إلكترونية وتم توزيعها على مواقع الإنترنت، ونصوص مقدمة على الإنترنت مستعينة بتقنية الوسائط المتعددة( )، والنص التشعبي.وهذا الأخير هو ما يسمة النص الأدبي التفاعلي، ويقصد النقاد العرب بهذا “الشكل الأدبي” كل التعبيرات الأدبية التي تُنتج رقميًّا، وتدمج مع الوسائط الإلكترونية المتعددة من نصية وصوتية وصورية وحركية، وتُقرأ على شاشة الكمبيوتر، وتسمح للقارئ بالتحكم فيها. ويعرفه فيليب بوطز بأنه “كل شكل سردي أو شعري يستعمل الجهاز المعلوماتي وسيطا، ويوظف واحدة أو أكثر من خصائص هذا الوسيط( )”… ولهذا الأدب الإلكتروني حضور في فنون الأدب المختلفة بين شباب المبدعين وكبارهم؛ ففي السرد نجد الرواية القائمة في بنائها على التغريدات أو الرسائل الماسينجرية الفيسية او الإيميلية بين شخوصها، كما في رواية كوتشينة للأديب الكبير والمخضرم الأستاذ (نشأت المصري) في روايته (كوتشينة)، وفي ديوانه (قد نختلف) الذي حرص على نشر تجاربه أولاً على صفحته الفيسية، ثم طبعه ورقيًّا، مضمنا إياه أبرز التعليقات النقدية التي نالتها كل تجربة!
وهذه الكاتبة (نادية النجار) تذكر أنه في روايتها الأولى «منفى الذاكرة» تطرقت إلى التغريدات التي كانت تكتبها الشخصية الرئيسة، أما روايتها الثانية «مدائن اللهفة» فتحدثت عن أثر التواصل الاجتماعي في حياة البطلة بعد انفصالها عن زوجها( ). بل إن هذه الوسائل لها حضور في عنوان الروايات مثل رواية التغريدة القاتلة لسمير زكي سنة 2014م، ورواية تغريدة البجعة لمكاوي سعيد سنة 2006م، وغيرهما…
وفي القصة القصيرة نجد للكاتبة (وداد معروف) نتاج أدبي بارز ومتواصل عبر سني إبداعها في توظيف ثقافة الصورة ووسائل التواصل في بناء سردها القصير، في مجموعة (ريشة من جناح العشق) ( ) نجد أنه في أقصوصة (ريشة من جناح العشق), كانت قصة الحب كلها تدور عبر تطبيق الماسنجر من خلال الفيس بوك… وكذا في مجموعة(كارت شحن) سنة 2016، و(لكنني أنثى سنة 2017م، و(همس الملائكة) سنة 2018م، بل نجد لها في مجموعات الأطفال القصصية (بهاء وإيمي واليوتيوب)سنة 2021م، وفيها أقصوصة بعنوان( باسم والعم جوجل)…
وفي الشعر نجد كثيرًا من الشعراء المعاصرين يمتلكون صفحة أو حسابًا على موقع من هذه المواقع، ونجد له إبداعًا شعريًّا يوميًّا متواصلًا ومنفعلاً مع كل حادث وحادثة تثيرها هذا الوسائل، ونكتفي بالإشارة إلى الشاعر عبدالوهاب برانية، الذي تعد صفحته الفيسية أنموذجًا عاليًا لهذه الحالة الإبداعية القائمة على الفعل والانفعال بين المبدع وما يظهر على موقع الفيس بوك أولا، وبين شعره والنقاد ثانيًا( )، فتجد عنده مدحًا مثلا لناقد متابع صفحته وإشادة بنقاداته، كالأستاذ السعداوي الكفراوي، وله قصيدة عن (الهاتف المحمول)، بل إن له قصيدة بعنوان (من أغضب الخادم؟)، وذلك في الأسبوع الأول من ديسمبر 2018م تعالت نداءات الأصدقاء على صفحات الفيس بوك، يلتمسون من بعضهم المبادرة السريعة بإرسال نكزات وملصقات على حسابهم حتى يعود للصفحة انتعاشها، متعللين بأن الخادم قد تخلى عنهم وأصبحوا موقوفين عن الخدمة، فامتلأت الصفحات بالنداءات والاستغاثات، كلٌّ يطلب خادمًا، فكانت هذه الأبيات: الكل يطلب خادمًا وكأنه قد كان طول العمر يملك خادمًا:
يا رفقتي بات الرقيقُ محررا والفيس أضحى للقطيعة عازما
سقيًا له من سيدٍ متحررٍ قد مل صحبتكم وأضحى نادما
فلتبحثوا عما أثار حفيظةً للفيس حتى قد غدا متألما
لما رآكم صبحَكم ومساءَكمْ لا تبتغون سوى الشتائم مغنما
ملَّ التواصل رافضا أفعالكم لا تنكزوا إلا الأعز الأكرما
أما الذي لا يرعوي عن غيه فدعوه يرفل في الجهالة دائما ( )
ويقول شاعرنا في قصيدته (إغماءة الفيس):
انكز ملايين البشرْ من غاب منهم أو حضرْ
ولكي تكون مؤثرا يا صاحبي غض البصرْ
لا تلتفت مهما استغاثوا من أفاويق الخطرْ
فالناس صرعى فيسِهم والفيس كذاب أشِرْ( )
وصار الشاعر المعاصر يُعنَى في نصه بما يُسمَّى التشكيل البصري، والتشكيل الطباعي، والتصوير السينمائي، والفضاء الدلالي…كما ظهر نوع جديد من الشعر يسمى (القصيدة اليومية)، و(القصيدة البصرية)، و(النصوص الشعرية المشتركة)، (الروايات المشتركة)، و(الكتابات التفاعلية الجماعية)، و(المسرح التفاعلي) وتقاطع القولي والتصويري والموسيقي في الإبداع والثقافة، ولا ريب في أنه ظهر معجم جديد ومجازات جديدة، وانزياحات طريفة بفعل هذه الوسائل والوسائط! إضافة إلى هيمنة أساليب الوصف، والسرد، والجدال، والحجاج، على معظم النتاجات الأدبية والثقافية… ويوجز الدكتور مصطفى الضبع تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في النصوص الأدبية في تعدد منابر نشر الإبداع والثقافة، وممارسة الكتابة السريعة الدالة تمشيًّا، والقدرة على التوصيل عبر أقصر الطرق، وتخلي اللغة عن عرشها قليلاً لصالح الصورة، واختزال المضمون الفكري للرسالة النصية أدبيًّا أو ثقافيًّا، وتحول الكتابة إلى صيغة خبرية أكثر منها إنشائية أو تحليلية( )!
ولهذه الوسائل دور في توسيع مساحة الإبداع والثقافة، عن طريق دخول عدد كبير من المصريين والعرب إلى عالم الأدب والثقافة، وبخاصة من تم إهمالهم أدبيًّا، فصارو مُهَمَّشين أو حدث لهم عزل أو إقصاء من خلال موظفين جامدين أو فاسدين، فلم يعد الأدب، ولا الثقافة قاصرين على النخبة، ولا على أصحاب القدرة المادية أو المقربين من المؤسسات! بل وجدنا عبر هذه الوسائل مزجًا بين أدبيات تابعة لثقافات مختلفة، وأكبر مثال على ذلك اطلاع الشباب العربي على ما يسمى (شعر الهايكو) ( ) الياباني الهوية، ونظمهم على منواله، ومن أوائل العرب المبدعين على قصيدة الهايكو العربي أو ما يسمى (التوقيعة الشعرية) هو الشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة عام 1964 في قصيدتيه: هايكو تانكا– وتوقيعات وهو مازال يواصل كتابة الهايكو العربي (التوقيعات) حتى اليوم! ولا ننسى في هذا المجال التذكير بفن القصة القصة جدًّا(ق.ق.ج) وحضورها البارز بين الساردين والساردات العرب، والتي هي -أيضًا- من آثار التواصل مع الأدب العالمي لا سيما الغربي منه!، وإن كان لها جذور عربية!!
7- تطوير النقد الأدبي مفهومًا وإجراءات:
أفاد النقد الأدبي الآني حقًّا إفادات متنوعة من هذا الزمن زمن هيمنة ثقافة الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي في مجالين رئيسين من مجالاته، هما: جماليات التلقي، وطرائق الإبداع؛ حيث ظهر التلقي الرقمي، والإبداع الرقمي، متصفين بصفات عصر السرعة من إيجاز، ووضوح، ومباشرة، وتجريب، وقابليته للتعديل والتنقيح، وـاثره بالحوار والجدال، وعرض الرأي والرأي الآخر، ومن ثم يمكن أن نقول: إن الأدب والنقد في ظلال الرقمية صارا متسمين بسمتي التحكيك، والتنقيح… كما ظهرت جماعات ومدارس جديدة في النقد الأدبي، أذكر منها مجموعة مصرية فاعلة، تسمى (شباب النقد الأدبي)، التي تكونت من شباب ارتبط ارتباطًا إلكترونيًّا سريعًا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، من شمال مصرنا ووسطها وجنوبها، وأسهموا بممارساتهم النقدية في غير مؤتمر دولي، منذ شهر أبريل سنة 2020م، كما تمكنوا بفضل تكنولوجيا التواصل الاجتماعي من عقد مؤتمرين علميين أدبيين عن أديبين كبيرين من أدباء مصر المغمورين، وهما (عبدالحميد بدران) و(عبدالوهاب برانية) ( ).
كما ظهرت مجلات أدبية إلكترونية شبابية خاصة وفاعلة مثل مجلة الديوان الجديد، والتي تهدف إلى إحياء حركة النقد التجديدي الثابت على النحو الذي نجده عند مدرسة الديوان العقادية، وهي مجلة شرفت بأن استكتبت أساتذة أكاديميون كبار، كالناقد الأدبي المصري الكبير سعد مصلوح، والدكتور وجيه يعقوب، والدكتور صبري أبوحسين، إضافة إلى شباب مبدع ومثقف وأصيل كالدكتور سيد شعبان، والأستاذ عمرو الزيات، وغيرهما( ) وكذا مجلة مدرسة الجن الإلكترونية، التي يقوم على إدارتها الدكتور الدرعمي الشاعر السيد خلف، أبوديوان( )! كما فتحت هذه الوسائل المجال أمام المبدعين ليلتقوا بجمهورهم، ووسعت من ساحة الجدال والنقاش حول كل أدب أو فكر مطروح ومثار، وأعطت فرصة لما يسمى بالتغذية الراجعة لأطراف النقاش!
و الأدب الإلكتروني يمر في رحلته الإبداعية والقرائية بثلاث حالات: حالة الإنجاز والنشر, ثم حالة القراءة والتلقي, ثم حالة التفاعل والانفعال والحكم, وهي عمليات متراتبة، متسلسلة لا تنفصل عن بعضها, والمتابعون الأديب عبر هذه الوسائل هم المعنيون مع المبدع بهذه الحالة, فتجدهم بعد كل أمر مهم, يهرعون إلى صفحة الشخصيات الإبداعية المؤثرة ؛ لمعرفة رد فعله ورؤيته, وما جادت به قريحته؛ تعليقًا على هذا الحدث, أو يبحثون عن الروابط والوسائط التي قد ينشرها المبدع, ومن هنا تنشأ” التفاعلية”, وذلك “باستخدام (الروابط التشعبية), التي توصل المتلقي/ المستخدم, أثناء قراءته, بمعلومات إضافية, بمجرد الضغط على مؤشر الفأرة”( ),أو على شاشة الهاتف، ولا ريب توجد مواقف نقدية أخرى، تكون رافضة هذا الإبداع، أو لا تراها من اهتماماتها، فيكون موقفها منه كعبارة(عَدِّ عن ذا) الشائعة في الشعر القديم…
وهكذا تفتح وسائل التواصل الاجتماعي سماءها للمبدعين من أدباء ومثقفين: يبثون فيها وجداناتهم، وأشواقهم, ويسجلون بالحرف المبين أفراحهم وأتراحهم, ويوثقون النصوص والمواقف بالكلمة والصورة والمشهد الحي أحيانًا؛ كي لا تندثر؛ ببُعد الزمان وطول الأمد , فضلًا عن كون هذا الوسائل مكتبةً رقمية متنوعة متاحة في كل الأوقات, وسُبل الوصول إليها سهلة ميسورة, وهو ما تنبأ به الأستاذ “أحمد فضل شبلول”, في كتابه (أدباء الإنترنت.. أدباء المستقبل), الذي طُبع في مصر, عام 1999م( ). فإذا كانت لدينا-نحن المصريين- هذه الرؤية المبكرة لأهمية دور التكنولوجيا والإنترنت، ووجود ما يسمى أدباء الإنترنت، أو الأدباء الرقميين! فلماذا نحن في هذه الحالة العشوائية والمبعثرة؟ لماذا لا توجد لدينا جهود مؤسسية منظمة في مجال توظيف ثقافة الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الإبداع المصري والثقافة المصرية؟!
المبحث الثاني: التأثير السلبي لثقافة الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي
تكاد تكون الآثار المترتبة على استعمالنا لثقافة الصورة ووسائل التواصل الاجتماعي في مجال الأدب والثقافة محدودة، ومحل خلاف بين الباحثين والمفكرين، وأرى منها:
1-الابتلاء بفاقدي الموهبة:
ففي المنتج الأدبي والثقافي الإلكتروني توجد حالة من الترهل والتزيد والاختلاق، حيث دخل مئات ممن لا يملكون أدواتها ولا يمتلكون مؤهلات للكتابة في عالمها النخبوي والخاص.
2-الإخطاء اللغوية والطباعية
نظرًا للسرعة أو التسرع في النشر، ولكون كثير من المتعاملين مع وسائل التواصل الاجتماعي لا يجيدون التعامل معها، أو لا يتقنون علم الإملاء، يلاحظ زيادة حجم الأخطاء، مما عرض اللغة العربية لكثير من الجوانب السلبية، حيث يغيب الرقيب على اللغة ويتداول الناس الخطأ من دون إدراك أو وعي به!
3- التقليد والتكرير:
كثير من المنشورات الرقمية تتضمن عملاً فكريًّا أو نصًّا أدبيًّا تقليديًّا أو مكررًا،مما يؤدي إلى إعادة الوقوع في مزلق تدوير المعرفة الإنسانية، و الجمود لدى الكثير من المستخدمين مبدعين أو قارئين.
4-الإبداع السطحي:
فالحرص على الإبداع، والرغبة في تسريع النشر أدى بالكثيرين إلى الوقوع في إبداع أدبي أو فكري سطحي، وإلى ظهور ما يمكن تسميته بالكتابة السهلة والمجانية، التي لا قيمة لها على الإطلاق، وهو ما شجع عددًا كبيرًا من الناس على ممارسة الكتابة ومزاحمة الكتاب الحقيقيين ،حتى على صفحات الدوريات الورقية، ففي الآونة الأخيرة اعتمدت بعض الصحف على كتاب ضعاف المستوى، حد الهزل! وهذا راجع إلى ضعف التعليم، وتراجع حجم القراءة والتثقيف، وغياب الحرص على التجويد…
5- تأرجح النقد الأدبي الرقمي بين التلميع والتنمر:
إضافة إلى كوارث لغوية في الإبداع توجد كوارث لغوية وفكرية في القراءة والتذوق والنقد، حيث توجد أشباح افتراضية أو شواذ إلكترونيين يشوهون اللغة والأدب ويضيعون الذائقة الأدبية، أشباح تعلي من الأصفار معدومي المواهب، وتنال من القمم والرموز المصرية! وما تجربة التنمر النقدي ضد الشعر الحر، وشعراء الستينيات والسبعينيات، وضد الشاعر المصري الكبير أمل دنقل على موقع الفيس بوك منا ببعيد! ذلك التنمر الذي بلغ درجة عالية من الانتقاص والهجوم جعلت القائمين على أعرق مجلة مصرية وعربية، وهي الهلال يفردون ملفًّا خاصًّا لمواجهة هذا التنمر النقدي الشاذ، بعنوان(إحياء المعارك الأدبية)! وقد شرفت بكتابة مقال نقدي في هذا المعترك بعنوان(التنمر النقدي ضد الشاعر المصري الرائد أمل دنقل)، نشر في عدد الهلال هذا( ).
فمن التفاعل بين القراء والإبداع الإلكتروني ما يكون إيجابيًّا، ومنه ما يكون سطحيًّا، ويتمثل- كما تقول الروائية سارة الكعبي- لدى الشريحة الأكبر للأسف، مثل تفاعل القرّاء مع صفحات وحسابات لمدعي ومنتسبي الأدب، والذين ينشرون اليوميات والخواطر والشعر الركيك ويشتهرون بسرعة النار في الهشيم و قد تخيروا لأنفسهم ألقاباً مجانية مثال شاعر وأديب وإعلامي وغيره، وكثيراً ما نرى هذا الكاتب المؤقت ولا ريب يتبجح بأنه تخطى المليون متابع، وأنه لمس سقف سماء الأدب بيديه الاثنتين( ).
وهاهي ذي وسائل التواصل تسجل لنا بطريقة عجيبة هذا التردي اللغوي الذي وصلت إليه حالة النقد الأدبي في أكبر مسابقة في إبداع الشعر بالوطن العربي، حيث الوقوع في خطأ مريع في إعراب لفظة في بيت شعري، والجدال على منصة النقد حول هذا الخطأ فضلًا عن عدم القدرة على الحديث باللغة العربية الفصحى، والحديث بلغة تعد (عكًّا أو عجنًا أو خلطًا) بين المستوى النخبوي الفصيح، والمستوى الشعبي العامي، فلا هو فصيح محض، ولا عامي محض!! مما أحدث تلقيًّا عربيًّا جماعيًّا رقميًّا ضد هذا الغُثاء اللغوي والخُواء الثقافي الذي وصلت إليه هذه المسابقة عقب رحيل الناقد المصري الكبير الدكتور صلاح فضل، صاحب الفضل الأول في رواج هذه المسابقة وبروزها؛ إذ لما مات نراها تكاد تموت عقب رحيله!