بيت جهلان

بيت جهلان

سيد عبد العال سيد

 

مشهد 1 –  منزل ريفي

ينام مسعود على الحصيرة في غرفة متهالكة الحوائط ،يتقلب يمينا ويساراً من شدة الأرق الذي بددَ النعاس الثقيل ثم يتساقط المطر علي السطح الجريدي، مرتعداً من قوة البرد وهو تحت البطانية.. يسمع صياح الديك في الغرفة المهجورة منتبهاً إلي هذا الصوت الذي زادهُ خوفاً.. فيقوم مفزوعاً اللهم ما جعله خير.. خير يارب ..إيه الصوت الغريب …

مشهد 2 –  غرفة مهجورة داخل المنزل

وقفَ مرجوفاً وهو يبحثُ في أركان الغرفة عن لمبة الجاز التي تكشف له الطريق المؤدي إلي الغرفة، متتبعاً آثار قدميه علي الأرض وهو يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لكنهُ لم ير شيئاً زادهُ خوفاً وهو يخطو بخطوات متثاقلة، كادتْ اللمبة أن تقع من يده.. سرعان ماعادَ إلي فراشه جاحظ العينين في السطحَ.. إيه الحكاية يا مسعود أنتَ اتهوست ولا إيه.. اثبت ياواد ..

مشهد 3 –  حجرة المعيشة

يلوح في الأفق ضوء السماء الذي ابتلع الظلام إلي ان طرقتْ أمُّ مسعود الباب.. تنادي يا مسعود.. يا مسعود.. نهضَ متكاسلاً يفتح ويغمض عينيه مالك يا بني؟.. عينيك حمره ليه؟.. ردَ مسعود عايز أقولك علي حاجة خايف تضحكِ علىّ.. خير يا بني.. كتير أسمع صياح الديك في الغرفة الجونية.. ضحكتْ وهي تهز رأسها، دايماً جدتي تقول بيتك في دهب يا أصيلة.. صحيح يا أمي.. أيوه يا بني حتي أبوكَ الله يرحمه كان عارف بالموضوع ده ثم علتْ البسمة وجههما …

مشهد 4 – صالة المنزل

الدكة الخشبية بجوار الحائط عليها مفرش قديم.. جلس مسعود علي الدكة ثم يريح رأسهُ إلي الحائط وهو يحرك قدميه ببطء شارداً في لبه المتجدد أن يبني البيت ويصبح غنينا ومن حوله النساء يضربن بالدفوف،.. مطلقين من الأفواه الزغاريد عند ختان أبنهُ محمود.. أرتفع صوتهن بالغناء ..( طاهرهُ يا مزين علي اللحاف اللين.. طاهرهُ يا أبو اسلمان علي اللحاف الدبلان.. ) .. وهو واقفُ بجوار المزين مبتسماً.. قالت إحداهن: مبروك عليك محمود.. عبقال العروسة.. الله يبارك فيكِ يا أمُّ خليل.. فجأة أفاقَ علي صوت أمهُ وهي تقول روح للشيخ مفتاح ييجي يشوف.. صحيح يا أصيلة.. أيوه يا بني.. روح.. حاضر ..

مشهد 5 –  شارع رئيسي في القرية

يسير مسعود في الطريق وهو يغني بصوتٍ خافت.. موعود بالسعادة يا قلبي.. موعود.. رأتهُ فتحية وهي جالسة علي المصطبة أمام بيتها قالت لجارتها نفيسة : أبن أصيلة أجنن.. ليه ؟.. ماشي يكلم نفسهُ ثم ضحكَ الأثنان علي خطواته وهو يتمايل زي السكرانين.. طرقَ باب الشيخ مفتاح بقوة.. ردَ الشيخ مفتاح من وراء الباب حاسب يلي ها تكسر الباب مين.. أنا مسعود يا عم الشيخ.. خير يا بني.. تعالي كلم عندنا في البيت.. في حاجة ؟.. ها تعرف لما تيجي.. قولي وهو مندهش.. تعالي.. حاضر ..

مشهد 6  –   الغرفة المهجورة

غرفة مبنية بالطوب اللبن وبها شروخ بالحوائط، معلق في وسط سطحها الجريدي فانوس جاز غير مشتعل.. حضر الشيخ مفتاح إلي الغرفة مشعلاً كومة من البخور المغربي في الصحن الفضي ثم بدأ يقرأ من المواثيق القديمة الممزوجة بحركات الأيدي.. الواقفون من حوله يترقبونه لحظةً تلو الأخري ثم أنتهي من تعويذاته التي غرستْ الأمنيات الدانية في النفوس.. قال الشيخ مفتاح : هنا يسكن الحارس.. فرحوا جميعاً وهم يتحاورون بعضهم البعض في همس.. نطق مسعود فرحاً : بقينا أغنيا.. ردتْ أصيلة وهي واقفة اسكت يا مسعود.. مش قادر يا أمي.. قالت أصيلة وهي مبتسمة : صحيح يا مفتاح فيه دهب.. ردَ الشيخ مفتاح : أيوه بس بشرط وهو يحرك يده.. إيه هو؟.. الحارس عايز فدية.. اند هشت أصيلة وهي تفكر منين نجيب فدية ؟!…

مشهد 7 – صالة المنزل

تهمس أصيلة في أذن مسعود وتقول روح لعمك وهات منهُ خروف.. ردَ مسعود وهو سعيد حاضر.. دخل حوش عمهُ عبد الرؤوف وحمل الخروف علي كتفه مهرولاً إلي البيت، فوجئ بالهدايا التي دخلتْ البيت.. نادي بصوتٍ عالٍ : يا أمي ..ردتْ أصيلة : تعالي يا مسعود.. أنتَ قلتِ لحد برة البيت.. صمتتْ قليلاً ثم تفوهتْ الجيران بس.. يا مصيبتي كتم غيظه ضاغطاً علي شفته السفلي يا بوي.. ليه كده يا أمي ؟..

مشهد 8  –  حفرة داخل الغرفة

بدأ العمال يحفرون بالفؤوس الحديدية والعرق يتصبب علي جبهاتهم وهم معفرون بالتراب، ثم تخرج من ألسنتهم هيلة.. هيلة يا رجالة.. بدأت تلوح من بعيد ملامح قطعة حجرية، أنتبه الجميع وهم حائرون يفكرون في القسمة فيما بينهم ثم ربط أحد عمال الحفر الحجر بالحبل وهو يغني ( طلعتْ يا محلَ نورها .. شمس الشموس ) حتي يسحبه الآخر إلي أعلي.. الأفواه مطوية بسياج الصمت محدقين فيه.. ضعوهُ علي الأرض، منتظرين أن يتحقق الحُلم.. هتفوا بحناجرهم القوية الله.. الله أكبر.. هم أحدهم بتنظيفه من الأتربة بقطعة من القماش.. فجأة تكشفتْ لهم الأسرار المدفونة.. نقوش صخرية حول قلبها الدائري.. يترقب مسعود لحظة تلو الأخرى وهو يحدق فيه ثم يغني ( حبيبي يا متغرب.. قرب يا بني قرب.. دانت فول صبري ) ويرقص بحركات لا أراديه.. ضحكوا جميعاً …

مشهد 9 –  داخل الغرفة

فجأة أرتفع صوت أحد عمال الحفر وهو يقول طاحونة الذرة القديمة.. اند هشوا جميعاً ثم تغيرت ملامح وجوههم ، مرددين بصوتٍ واحد طاحونة.. وضع مسعود يدهُ علي قلبه وهو مقشعر الوجه وشعره الأكرت واقفُ.. هرب الشيخ مفتاح دون وعي الحاضرين..

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: