باسم أحمد عبد الحميد يكتب : الحب وسنينُه !!! 

الحب وسنينُه !!! 

الحبُّ هذه الكلمةُ العميقة التي احتار فيها الأدباءُ والشعراء، عشتُ لسنواتٍ وسنواتٍ أبحثُ عن معنىً محددٍ للحب، ولكني أعترفُ بفشلي كما أعْترفَ كلُّ مَنْ سَبقَني في محاولةِ الوصول إلىٰ ذلك ..
فقد يكون الحبُّ نوعًا من الانسجامِ والتقاربِ في الأفكار والميول، والتكيفِ طِبقَ ما نهوىٰ، فالمحبة كالضمير أحرىٰ بها أن تُرَشَّد وتُقاد، لا أن تُجَرَّ وتُغتصَب، وأولئك الذين يتزوجون غيرَ من يحبُّون، تراهم يحبُّون غير من يتزوجون !!
وكثيرًا ما تنتهي الصداقةُ بين الرجلِ والمرأةِ إلىٰ الحب، لكن لايمكن أن ينتهي الحبُّ إلىٰ صداقة ..كذبَ مَن قال هذا !!

– والحبُّ هو الشعورُ المقدَّسُ بالحياة، تلك الرفرفة الأولىٰ لأجنحته الحريرية، وتلك الوسوسةُ الأولىٰ التي تتعالىٰ وتطفو، وأنفاسُ الرياحِ التى تصلُ إلىٰ النفس فتطهِّرُها بالحب والعشق والجمال …
يقول( كوتون ) :
في الحبِّ كما في الحرب يُعزَىٰ نجاحُنا إلى ضعف وسائل الدفاع أكثرَ مما يُعزَىٰ إلى عنفِ الهجومِ وسطوتِه !!
ويقول( هربرت ):
الحبُّ كالسُّعال ليس باستطاعة المحبِّ أن يُخفيَه !!
ولا ينكرُ أحدٌ أن الحبَّ يطهِّرُ القلبَ من الأثَرة ،ويمنحُ الخُلُقَ قوةً ورفعة، ويوجِّه الحياةَ في جميع شؤونِها إلى المقاصدِ الشريفة، ويزيدُ الرجلَ والمرأةَ كليهما قوةً وشجاعةً وشرفا..
– وخيرُ هبةٍ توهَب لإنسان هي تلك القدرة علىٰ أن يُحبَّ حبًا صادقًا أمينًا، فالحبُّ نارٌ مقدَّسة لا تُحرَق أمام الأصنامِ من البشر !!
– فالإنسان لا يُحسِن الحبَّ ما لم يشعر به، فهو مثل القمر إذا لم يأخذ في الزيادة، فهو آخذٌ في النقصان ..
لذا يجبُ علينا أن نغتنمَ فرصةً للحب الحقيقي، ولنعلمْ أنه دواءٌ لكلِّ همومِ النفس، هو صوتُ اللهِ على الأرض، بيدِنا أن نصنعَ به المعجزات، هو النعمة التي تتوَّجُ بها الإنسانية، هو أيضًا أقدَسُ سُموقِ النفس، هو الحلقةُ التي تربطنا بالواجب والحق، هو المبدأ الفادي الذي يصالح به القلب والحياة ، وهو بشيرُ السعادة الأبدية ..
وللعرب رأي في الحب
قال شهاب الدين النويري في كتابه ( نهاية الأرب)
أول ما يتجدد الاستحسانُ للشخص، تحدث إرادةُ القربِ منه، ثم المودة، ثم يَقوىٰ فيصير محبة، ثم يصير هوى، ثم يصير عشقًا، ثم يصير تتيمًا، ثم يزيد التتيم فيصيرُ وَلَهًا..
– وأما سبب العشق فهو مصادقةُ النفسِ ما يلائم طبعَها فتستحسنُه وتميل إليه، وأكثرُ أسباب المصادفة النظر، ولا يكون ذلك باللمح، بل بالتثبت في النظر ومعاودته، فإذا غاب المحبوبُ عن العين طلبَتْه النفسُ ورامت التقربَ منه، وتمنَّتِ الاستمتاعَ به، فيصير فِكرُها فيه، وتصويرُها في الغيبة حاضرًا ، وشُغلها كلها به، وكلما قوِيَتْ وتمعنت في التفكير بنزوعٍ ورغبةٍ،
غلبَتِ المادةُ على الرُّوحِ، والجسدُ على العاطفة، وهذه النارُ المتأججةُ لا يطفئها إلا اللقاء ، وهذا الاختبار القاسي نستطيع أن نحكمَ به على عواطفنا ..إما الاستمرار وإما الفشل !!
والحبُّ الحقيقيُّ يزيدُ من ثقةِ الإنسانِ بنفسه وحبيبتِه لدرجةٍ تجعلُ الجبانَ شجاعًا، والبخيلَ كريمًا، ويُطلِقُ بالشعر لسانَ الأعجم، وإليه تستريحُ الهِمَمُ، وتسكُن به فواترُ الأخلاقِ والشيَم، يُمتِعُ الجليس، ويؤنِسُ الأليف، ويُبصِر الكفيفُ بأذنيه إذا ما سمع صوتَ الحبيب ..
يا قومُ أُذْني لبعضِ الحيِّ عاشقةٌ
والأُذْنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا !!
(بشار بن برد )
سيدةٌ أعرابيةٌ حكيمةٌ تقول :
مسكينٌ العاشق؛ كل شيىءٍ عدوُّه، هبوبُ الرياحِ يقلقه، ولمعانُ البرقِ يؤرِّقُه، ورسومُ الديارِ تحرِقُه، والعَذلُ يؤلمه، والتذكُّر يُسقِمه، والبُعدُ والقربُ يَهيجه، والليلُ يُضاعِف بلاءَه، والرُّقاد يهربُ منه، ولقد تداويتُ بالقربِ والبُعد؛ فلم ينجح دواءٌ، ولا عزَّ عزاء !!
– قد نحبُّ وقد نكره، ولكن من المستحيل أن نعيشَ بدونِ الحب …

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: