النمل في خزانة جدتي! 

دكتور سيد شعبان
يلف الصمت المكان من حولي؛ تشتيك أوراق أشجار الحديقة؛ ثمة قطة تموء؛ انقطع التيار الكهربائي؛ انعزلت عن العالم؛ أمسك بالهاتف باحثا عن وسيلة الاتصال المتاحة بالعالم؛ نفدت “باقة النت” ترى أية ليلة تلك!
أتذكر أن جدتي خوفتني من النداهة؛ يسخر أبي دائما من حديثها؛ يراها حبيسة الزمن الذي مضى؛ كنت أصغي إليها؛ تقلد أصوات الحمام والعصافير؛ وعاؤها يمتليء باللبن؛ تهب الجارات أرغفة الخبز الساخن؛ يسكن النمل خزانتها!
لاتكتفي بهذا؛ تذيب قمع السكر في الماء؛ تشرب جموع النمل؛ تقف أسراب اليمام عند شرفتها؛ كانت طيبة القلب!
أتحسس موضع الباب فلا أجده؛ أصطدم بجدار الحجرة؛ أعود إلى الخلف؛ أسمع صوت انكسار كوب الماء الزجاجي؛ أبحث في ذاكرتي عن خريطة البيت؛ يبدو أنها مصابة بالتلف؛ لقد تبدلت معالمها؛ قيل لي ثمة من يحاول سرقة أشجار الحديقة؛ أصابتني الدهشة!
حين انقطعت الكهرباء توجست خيفة؛ لايأتي إلا في ظلمة الليل؛ كان الطيب يستعيذ بالله من شره!
كما الشتاء في برده؛ عواصف تضرب كل شيء؛ أتداخل في فراشي ألتمس الدفء؛ أغط في النوم؛ تلك عادتي؛ ألتمس العالم الموازي؛ تتابع الصور والمشاهد؛ جاء أهل كفرنا؛ كثيرون منهم انتقلوا إلى العالم الآخر؛ بضعة أشجار برتقال تركناها طعمة لهم؛ يسرعون إليها يتعاركون حولها؛ تمتليء أكياسهم بحباتها لكنها كما هي بكل حملها؛ ينتشرون في الأرجاء؛ أخواتي يحطن بي؛ في حب نتبادل الكلمات؛ هذه تعاتبني وتلك تغاضبني؛ أجتهد أن أن أعتذر إليهن بأنني أعاني من شيء خفي!
أبحث بين الجموع عنه؛ متزو في مكان مظلم؛ يا للعجب كأنه مصاب بتساقط الجلد؛ لحم وجهه متغضن؛ تحوطه أرتال من الذباب!
يقولون لي لقد بدأ يهذي!
أحاول أن أقترب منه؛ صوت أمي لاتلمسه؛ إنه يدبر مكيدة؛ أتذكر كيف دلس!
تظهر فتاة جميلة؛ تتراقص الأحلام في عينيها؛ وجهها كما البدر؛ أغازلها؛ فالربيع على الأبواب؛ أنظر إليها!
طفل يعدو خلفي؛ يمسك طرف ثوبي!
يشق مؤذن الفجر صمت الليل!
في ركن البيت؛ أصوات متداخلة؛ هذه تبحث عن رغيف؛ رجل يمسك بملعقة يخرج اللحم من الماعون؛ لاتوجد نار؛ لقد أطفأتها ريح الشتاء، تخرج نملة من وادي النمل رافعة يديها؛ تكاد تصرخ في هؤلاء القادمين من العالم الآخر؛ تطالبهم أن يدعوا خزينها من حبات القمح؛ تذكر قصة سيدنا سليمان مع جدتها؛ بالفعل هؤلاء جند كثيف؛ ذلك الذي احتار في بلاد الله؛ ليس له دار يحتمي بها من برد الشتاء؛ تتأبى الأشجار أن تمنحه بعض ثمرها؛ أتذكر دعاء أمي عليه!
أعود إلى أحلامي؛ تلك التي تراقصت فيها الفتاة؛ أنظر وجهي في المرآة؛ أعود فتى جميلا؛ تختفي الشعرات البيض من رأسي؛ يمتليء جسدي قوة!
فجأة يسري التيار الكهربائي؛ صوت التلفاز يترامى إلى أذني؛ تشدو فيروز بأغنيتها:
الطفل في المغارة وأمه مريم!
في العام القادم ربما نشتري ثيابا جديدة؛ لن أنسى أن أزور الكفر وأجلس حيث كان الطيبون!

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: