المنهج النبوي وأثره في سلوك المسلم

دكتور محمد السيد عبده

أستاذ مساعد العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين وعلوم القرآن بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية بماليزيا

تكملة للمقال السابق، فقد ذكرنا أن العامل الفكري له دور مهم في تكوين سلوك الإنسان، وهو الذي يسوغ لعمله الصحيح أو يفسر لجرمه الفاسد ما يقوم به، لذا فإن تقويم السلوك مرتبط بتقويم الفكر وتصحيحه. ومن أبرز المناهج الأساسية في تقويم السلوك والمفاهيم؛ المنهج النبوي، الذي لا ينطق عن الهوى، والذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم لتربية أصحابه فكانوا أسوة وقدوة لمن بعدهم، مما يضمن للمسلم عقيدة صحيحة وفكرًا سليما وحياة مطمئنة.
وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أساليب عدة في تقويم السلوك والمفاهيم الفكرية للصحابة رضوان الله عليهم نذكر منها ما يلي: – الحوار المقنع؛ وهو نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن التعصب وبالنظر إلى التطبيقات العملية لأساليب الحوار والإقناع والتأثير في السنة النبوية نجد أنها تخاطب العقل وتستثيرالعاطفة للالتزام والتطبيق لشرع الله تعالى، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي اهتمامه لكل من يجلس إليه أو يتحاور معه، خاصة إن كان الهدف من الحوار تغيير المفاهيم لتقويم السلوك، فهذا الشاب الذي جاء يستأذن رسول الله في فاحشة حرمها الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم معه عطوفًا لين القلب، ثم حاوره بصدر رحب، وسمع مصغٍ له دون إصدار أحكام مباشرة، حتى عالج فكره وقومه قبل سلوكه، وحرك فيه دافع الغيرة على محارمه، فما كان من الشاب إلا أن استقبل الكلام بصدر مفتوح دون خوف أو وجل. روي عن سيدنا أبي أمامة الباهلي أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال: يا نبيَّ اللهِ؛ أتأذنُ لي في الزنا ؟ فصاح الناسُ به, فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: قَرِّبوهُ, ادْنُ فدنا حتى جلس بين يديْهِ, فقال النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ: أتحبُّه لأُمِّكَ، فقال: لا, جعلني اللهُ فداك, قال: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم, أتحبُّه لابنتِك؟ قال: لا، جعلني اللهُ فداك، قال: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم, أتحبُّه لأختِك؟ وزاد ابنُ عوفٍ حتى ذكر العمَّةَ والخالةَ, وهو يقولُ في كلِّ واحدٍ لا, جعلني اللهُ فداك, وهو صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه, فوضع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يدَه على صدرِه وقال: اللهمَّ طهِّرْ قلبَه واغفر ذنبَه وحصِّنْ فَرْجَه فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه.
كذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اسلوب التقريب المتتابع، والذي يتم من خلال تكرار الكلمة أو الجملة تكرارًا متتابعًا أو متقاربًا لتصحيح السلوك بالنهي عن السلوك الخاطئ مرارًا، أو تكرار الأمر بالسلوك الصحيح، فقدد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر احتياجات السائل، ويراع قدراته عند تقويم سلوكه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرة رَضِي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال:”لا تغضب” فردد مرارًا، قال:”لا تغضب” ذكر الإمام العيني-شارح صحيح البخاري- سبب تكرار النهي عن الغضب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مكاشفًا بأوضاع الخلق؛ فيأمرهم بما هو الأولى بهم، ولعل الرجل كان غضوبًا فوصاه بتركه. وللحديث بقية إن شاء الله

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: