المصطلح العربي وخطر الأزمة
المصطلح العربي وخطر الأزمة
الأستاذ الدكتور رجب إبراهيم
الأستاذ بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه
إننا لا نستطيع أن نتغافل واقعا مصطلحيا عربيا يغصُّ بالفوضى التي استشرت في المفاهيم والمصطلحات،إذ تقف الأمتان العربية والإسلامية موقفا ساكنا من المصطلح مكتفية بدورها الاستهلاكي لما يأتيها من الأمم الأخرى.
وغير خاف على المعنيين بدراسة المصطلح أهميتة المعرفية والمعلوماتية حيث يمثل عاملا مهما في فهم العلوم وإزالة الغبش عنها. ومن هنا تأتي أهميته الفاعلة في تحريك الذهن،والزيادة في الفهم،كما أن فهمه والعمل وفق آلياته ينُضج ثمارا طيبة تخرج الباحثين في حقل العلوم من ظلمات الحيرة والضبابية المنهجية إلى الاهتداء للتي هي أقوم في المعرفة، ومن الهرطقة العلمية إلى قَيِّم العلم وصحيحه، كما أنه يقود الجميع إلى نسق منهجي متكامل يستظل بظله من لفحته شمس الفردية المهجِّرة، وفاتتهم منهجية الركبان المبكِّرة، ويأسو وجهات النظر الآنية التي لا ينقصها العصبية لتتحول بعدها إلى توجهات استراتيجية، لا يخالطها دون أدنى شك براثن تلك العصبية.
إنَّ كشف معاني المصطلحات المتداولة وضبطها ورسم حدودها من أهم نشاطات البحث في الشأن الفكري بشكل خاص وفي الشأن المعرفي بشكل عام، وذلك للوصول إلى اتخاذ مواقف منضبطة تجاه المصطلح، واستعماله استعمالاً لا يتعارض مع مدلوله . وهو في ذات الوقت سياجٌ للحراك الفكري من الخلط والعبث، وحمايةٌ للعقل المسلم من الإرباك والفوضوى، ذلك أن “الإشكال المصطلحي له علاقة بالمشكل الحضاري،وهو مشكل عميق ودقيق لأنه يتعلق ماضيا بفهم الذات،وحاضرا بخطاب الذات،ومستقبلا ببناء الذات ” ( )
والمصطلح شاهد على تحضر الأمم وتحلفها فهو يُكوِّن في ذاته الإطار العام لأي أمة في فكرها،وعقلانيتها،وتقدمها الإنساني،وكلما أحسنت الأمة في تحديد مصطلحاتها بدت أكثر تألقا ونضارة على غيرها من الأمم المعاصرة لها.
والمصطلحات وليدة الاحتياجات، فإنها لا تكون إلا عندما يشعر الناس بالحاجة إليها ، ولا يشعر أحد بالحاجة إليها إلا عندما يفكر في مدلولاتها . واحتياج أمتنا العربية إلى المصطلحات العصرية اللغوية كاحتياجها إلى جميع وسائل التقدم الحضاري ، بل إن حاجتها لتلك المصطلحات تأتي في المقام الأول ، لأنها مرتبطة بأسباب وجودها ، إذ ما عسى أن يكون مستقبل أمة ليست لها لغة تستوعب موجودات الحياة ومعطياتها .
إذن لا مناص من دراسة المصطلح وفهمه لإدراك أهميته إذ”لا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة يستعملونها في معان مخصوصة؛إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلى تلك المعاني أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوّز، ثم صار المجاز شائعا،والحقيقة مغلوبة”( )
لكن ثمة إشكاليات تعترض مستفبل المصطلح العربي إذا ما أراد أن يشق طريقه المعرفي،كإشكالية التعريب، والتوحيد، وينبغي أن نعلم أن أمتنا إذا أرادت أن تتطلع وتستشرف دورها الحضاري، وتحي مجدها التليد، فإن هذا يتطلب دخولها ميادين العلم والمعرفة وامتلاك مفاتيحها، ولن يتأتَّى ذلك إلا إذا أفادت من تجارب الآخرين،واستعارت كثيرا من المصطلحات،ومسميات التقنيات الخديثة، وقامت بتعريبها، فالتعريب من المنطلقات الرئيسة للنهضة الثقافية. وأول ما يجب على الأمة فعله أن تعيد تأهيلها الثقافي والحضاري، حيث يتحتم عليها ذلك إذا أرادت أن تقتحم الفضاء اللغوي العالمي،فقد حملت النهضة العلمية الحديثة للعربية طموحات وتحديات، فليس أدلُّ على هذا من الشكوى المتكررة للعاملين في حقل التعريب من سرعة تدفق العلوم والمعارف، وضرورة إيجاد معادل لغوي عربي لها. أو كما يقول ” حمدان”: “إن التعريب في حياة الأمة وسيلة معرفية ومشاركة في حلبة السباق الحضاري مع الأمم التي هضمت معطيات الحضارة وأضافت إليها ثم شاركت بها في هذا العطاء الإنساني والتعريب ضرورة علمية لا تستجيب لسيطرة المادية لغيرنا ، ولا تنطوي على ضعف سياسي أو استبداد ثقافي يفرضه علينا الآخرون الذين سعوا لاحلال ألسنتهم محل لساننا وفكرهم مكان فكرنا والأمر متعلق بعملية التعارض الحضاري بين الأمم جميعا كما فعلت أوربا عندما اقترضت معطيات الحضارة الإسلامية قبل أن تكون لها حضارة مميزة.وإذا كان هناك من جهد مبذول للتعريب فإن الجهود المبذولة في هذا الحقل أصابها الاختلاف والتباين،فالمصطلح الواحد يخُتلف في تعريبه باختلاف البلدان والمعاجم والأفراد،ولا يكاد يتفق معربان من بلد واحد على صياغة مصطلح واحد.فنحن أمام معضلة كبيرة تتمثل في انفصال الأقطار العربية بعضها عن بعض،وتباعد مجامعها اللغوية،وجامعاتها،وأساتذتها،ومستوياتها العلمية والاجتماعية”( )