القصة القصيرة جدًا والمسؤولية تجاه المجتمع في مجموعة “جدران شفافة” لإبراهيم الشابوري 

إبراهيم أحمد أردش

إن فن القصة القصيرة جدًا من الفنون التي تعبر عن روح العصر وتقلباته وإيقاعه السريع، ويتناسب مع إمكانات القارئ المعاصر في ظل العولمة والإنفتاح وكثرة الأشغال، وبالتالي يكون نُشدان المتعة في النصوص الأدبية القصيرة أمرا مقبولا، بل ومطلبا من مطالب الواقع، وقد جاءت المجموعة القصصية القصيرة جدًا “جدران شفافة” في لغة عالية مكثفة تتكئ على المجاز، حيث تتناسب وطبيعة الفن الذي كتبت عليه، ومع ذلك فهي قريبة متأتية من واقع الناس وحياتهم اليومية وما يشغلهم نفسيا واجتماعيا.
استطاعت المجموعة أن توظف التراث وتتناص معه بما يساعد على فهم أكثر للواقع، كما جاءت العناوين بصيغة النكرة؛ لتصبح هذه القصص القصيرة جدًا صالحة لأي زمان وأي مكان.
إن قصص هذه المجموعة القصيرة جدًا جاءت لتُـعبر عن قضايا الواقع ملتحمة بأهم الإنشغالات التي يُعنى بها المجتمع ومن تلك القضايا قضية العنوسة وتأخر سن الزواج، كما جاء في قصة “نوايا”
تقول القصة :
قال :
أريد الوصل
قالت :
إن البيوت من أبوابها تطرق
فسل والدي عما ابتغيت.
قال:
أنا مُحَصِّلُ الكهرباء سيدتي
قالت:
سحقا فقد أطفأت مصابيح الأمل”
إن هذه القصة تعرض لمشهد حواري بين فتاة تحاول أن تأول كلام محصل الكهرباء، طبقا لما تتمناه النفس التي تود الخلاص من العنوسة بعد تأخر سن الزواج؛ ففسرت طلب المُحصل لوصل الكهرباء بما يخالف نيته، ومع ذلك هي فتاة تلتزم بالأعراف والتقاليد وأن عليه أن يذهب لأبيها كي يطلب يدها، كأنها تثبت له بذلك أنها على خلق وعفاف رغم طلبها الزواج منه بطريقة مضمرة، لكن الشاب يصدمها ويخبرها أنه محصل الكهرباء وبالتالي يتلاشى لديها الأمل ونجد هنا التقابل بين عمله كمحصل وبين فعله على الفتاة عندما أغلق مصابيحها التي كانت على وشك التوهج.
ومن الأدواء الاجتماعية التي تتناولها المجموعة داء الربا الذي يأتي بالخراب على المجتمعات والأفراد كما في قصة :
“عود”
افتتح محلا صغيرا، تعاطف معه الجميع، ارتفع سهمه، أصبح حديث المدينة، سنوات قلائل ثم عاد يتكفف الناس من جديد؛ أحرقت نار الربا أمواله”
نجد في بداية القصة شخصية مناضلة يحاول الناس مساعدتها للوقوف على قدميها وتحقق نجاحًا ملحوظًا، ثم تفشل الشخصية وتعود للفقر مرة أخرى ويبرز الراوي سبب تلك العودة إلى الفقر والسبب الربا، ولا يوضح في متن القصة هل الشخصية رابية أم تقوم بأخذ الربا؛ ليترك للمتلقي الحرية في رؤية الشخصية من وجهة النظر التي تناسبه ولكي يشير إلى أن الربا خراب على صاحبه من أي ناحية.
ومن القضايا الاجتماعية التي تعرض لها المجموعة قضية عدم الوعي بالمخاطر وتصديق الشائعات، كما في قصة :
“عبرة”
روج لنظرية لمؤامرة تندر بالإجراءات الإحترازية حين سلبته كورونا حريته، سجل فديو شرح فيه معاناته بصعوبة بالغة ثم مات.”
في هذه القصة نجد أن الشخصية لا تأخذ أمر الفيروس الذي أصاب البشرية على محمل الجد، بل وتصفه بالمؤامرة وتسخر من سبل الوقاية منه ولا تتراجع عن هذا إلا بعد الإصابة به، وتعرض تلك القصة لنموذج الشخص المعاند الذي لا يأخذ بآراء العلماء ويسخر من العلم.
تحتوي المجموعة على مئة قصة قصيرة جدًا تتناول في أغلبها موضوعات تمس الواقع الاجتماعي المصري والعربي والإنساني وجاء ترقيم القصص تصاعديًا مع استخدام العناوين بصيغة النكرة ويعد الراوي العليم هو المسيطر على البنية القصصية في المجموعة بأثرها ولا يأتي الراوي الذاتي إلا قليلا من ذلك قصة :
“طاقة”
اقترب موعد زواج ابنتي؛ استبد شيطان الطلبات؛ زادني رهقا، كلما تهاويت مر من طيف طفولتها أمام عيني؛ أركض فتيا.”
في تلك القصة التي تتناول الواقع الاجتماعي كغيرها من قصص المجموعة وتنتقد بشكل ضمني مظاهر المبالغة الاجتماعية التي صارت تعسر من أمر الزواج وتعثره، وقد جاء الراوي في هذه القصة ذاتيا؛ فهذه القضية تؤرق كل ولي أمر، لكن الراوي كلما شعر بالتعب يسترجع طفولة ابنته فيمنح ذلك الحافز للمسير قدمًا.
وكذلك يستخدم الضمير الذاتي الجمعي، يقول في قصة
“تأشيرة”
استبد بنا الشوق لمطعم شهير، بعيون صلبة سألونا عن الحجز المسبق، تلحفنا بالصمت، أغرقنا الخجل؛ أوصدوا في وجوهنا الأبواب، لمحنا مطربا شهيرا طوقوه بالترحاب، اعتذر عن حضوره المفاجئ؛ فاعتذروا لاعتذاره.”
إن هذه القصة تعرض لقضية من أخطر قضايا المجتمع، وهي التمييز العنصري، لكنه هنا ليس على أساس عرقي أو طائفي، بل على أساس الشهرة، فنجد فردًا واحدًا يُعامل بتبجيل واحترام، بينما المجموع يعامل بغلظة وعنف وقسوة وهذا الفرد تقوم على خدمته مجموعة من البشر، وهذا الفرد ليس عالمًا أو قائدًا، بل هو مطرب مشهور فقط؛ كأن تلك القصة تتناص من غور بعيد مع المثل الشعبي القائل “الصيت ولا الغنى”.
إن هذه المجموعة القصصية القصيرة جدًا (جدران شفافة)
تشف عن الجدران الإجتماعية التي يصعب هدمها أو إصلاحها رغم وضوحها ورؤية الجميع لها ونقدها، لكنهم لا يخرجون منها، أو حتى يحاولون إعادة بناءها على نحو أصلح، وهو ما تسعى إليه هذه المجموعة التي تحاول أن ترصد أبرز هذه الجدُر الإجتماعية في محاولة إصلاحية، كما عرضت المجموعة أيضًا لقصص إيجابية مشرقة أتركك عزيزي القارئ لإستكشافها.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: