الــراوى (شاعر الربابة) 

الــراوى (شاعر الربابة) 

بقلم: الدكتور علاء الدين حافظ     

هو شكل من أشكال الظاهرة المسرحية ، وأكثرها إنتشاراً وتمشياً مع روح الشعوب العربية وخيالها ومتطلباتها الإجتماعية،ومهنة الراوى عرفتها الدول العربية منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي ، وعرف عند العرب بأسماء متعددة فاشتهر فى المجتمع المصري بشخصية الراوي (شاعر الربابة ) ،وفي العراق القصاص في حين أُطُلق عليه في بلاد الشام أسم الحكواتي ، أما فى بلاد المغرب عرف بأسم المُحدث.

إن الموضوعات الشعبية فرضت نفسها أجتماعياً نتيجة الظروف التاريخية والتى إستهدفت إستنهاض الهمّم، وإذكاء الحماسة، والاعتزاز بالنفس وبالتاريخ وبالأبطال، والتركيز على قيم إجتماعية وأخلاقية وقومية، وحثّ الناس على حب الفضائل، فأصبح فى أغلب المقاهي التراثية قديماً إستقدام شخصية الراوى كعنصر جذب للمقهى ، وأصبح جزء من التراث الشعبي ويذهب أهل المدينة أوالريف للاستماع إليه، ويتناول قصصاً اجتماعية أوسياسية ناقــــدة ويتحدث غالباً باللغة العربية الفصحى ، ويرتدى زياً مميزاً مختلفاً عن باقي الحاضرين، فكان يرتدى الطربوش والسروال ولفافة على الرأس تلفت الإنتباه وتميزه عن الباقين0

و الراوى يجب أن يجيد فنون الأداء والإلقاء والحركات التعبيرية ويتأثر بالكلمة والحادثة التي يقراها ويعيشها، ويعبر عنها من خلال موضوعاته المستلهمة من قصص الأبطال و السيرالشعبية : ( سيرة ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والسيرة الهلالية وعنترة بن شداد والظاهر بيبرس وغيرها) ،ويتأهب المستمعون للإصغاء وعيونهم مشدودة إلى كرسي وضع فى منتصف المقهى بمكان مرتفع يستطيع الراوي رؤية جميع الحضور ، فيسحب مخطوطته من تحت وسادة المقعد ويبدأ فى سرد القصة، وعند تصاعد الأحداث يشهر الراوي سيفه لتمثيل دور المحارب في المعركة الدائرة في الحكاية ليبهر الحضور فيهتفوا عاش البطل، ثم ينقلك إلى عالم الزير سالم وعنترة بن شداد الأسطوري حين يضرب بسيفه أربعين رأساً إلى اليمين ومثلها إلى اليسار، كما كانت الدنيا تتوتر إذا أنهى الراوي كلامه وعنترة في السجن، فكانوا يطالبونه بتحريره وفك أسره فما كان من أحد المستمعين في آخر الليلة التي لم يستطع النوم فيها إلا الذهاب إلى بيت الراوي وتهديده إذا لم يخلص عنترة وزوجه وينصره على أعدائه.

ويتركزعمل الراوي في المقاهي الشعبية، يومياً بين صلاتي المغرب والعشاء ، ويستكمل عمله بعد صلاة العشاء وتمتد أحياناً حتى ساعات الفجر الأولى، ويتقاضى أجرة من صاحب المقهى الذي يتولى تحديد قيمة الدخول، الزبون يدفع مقابل الاستماع إلى الحكواتي وبالأضافة الى ثمن المشروبات،أما في شهر رمضان الكريم والمناسبات الدينية كان يستمر عمل الحكواتى ولكن يتم إختيارموضوعات تتناسب مع الشهر الفضيل والقيم التي يمثلها، وهذه القيم عادة ما كان الراوي يتحدث عنها وعن فضائلها في رواياته ويجسدها بتصرفات أبطال هذه الروايات.

إنقرضت الأن مهنة الراوي بإنتهاء الحاجة إليها، فقد كانت وسيلة تسلية وتثقيف جماعية ووسيلة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق التي يتحلى بها أبطال القصص والروايات التي كان يسردها الراوي، وهذه الحكايات والسيرالشعبية ولو كانت غير واقعية إلا إنها كانت تغذي نفوس المتلقين وخيالهم وعقولهم ولا سيما الشباب منهم لتشكيل وجدانهم،على عكس ما يتم ضخه في الوقت الحاضر من خلال القنوات الفضائية ومقاهي الانترنت ووسائل التواصل الأجتماعى من عادات غريبة وافدة، قد لا تتوائم مع عاداتنا وتقاليدنا الأجتماعية0

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: