العَلَّامةُ مُحَمَّد رجَب البيُّومي مُبدعًا أزهريًّا ومُثَقّفًا عربيًّا            

نقد

 

أ.د / صبري فوزي أبوحسين

أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، وعضو اتحاد الكتاب

إن الكتابة عن علم فذ من أعلام الأمة في عصرها الحديث ليس بالأمر الهين، لا سيما إذا وُجِد كثيرون كتبوا عنه، فحللوا شخصيته، ودرسوا آثاره، وأبانوا عن مكانته؛ فالكتابة الفاعلة المُضيفة عن المشاهير أمر صعب، إذ كيف تضيف عن عَلَم قُتِل ترجمة لحياته، وتعريفًا بآثاره، وبحثًا ودرسًا لرؤاه وجهوده من قِبَل شيوخه وتابعيه وقارئيه، ومعاصريه، واللاحقين له، ومن قِبَل كثير من الباحثين والباحثات في دراسات أكاديمية متنوعة بين رسائل أكاديمية في مرحلتي الماجستير”، و” الدكتوراه”، وأبحاث علمية مُحكَّمة، ومنشورة في مجلات علمية موقرة، هذا فضلاً عن المقالات المُدبَّجة بأقلام مشاهير الكتاب والمنشورة في كبريات الصحف والمجلات العربية والإسلامية. إنه العلم الأزهري الخالص، والمصري الصميم، والعربي القُحّ: الأستاذ الدكتور  محمد رجب البيومي، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ليلَ نهارَ بإبداعه المقالي، وسحره الشعري، وجهده البحثي، وتوثيقاته التاريخية، وأطاريحه الفكرية، من خلال قلب صَفِي، وعقل نَقِي، وفكر وسطي معتدل، بلا إفراط ولا تفريط، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدًا.

  1. إن الأستاذ الدكتور محمد رجب اليومي يمثل بالنسبة إليَّ، وإلى جيلي من باحثي جامعة الأزهر وباحثاتها- زمن الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين- يمثل الأستاذ القدوة في كل مجال وفن: القدوة في أداء المهمة الأكاديمية بجد وإتقان وتفان، والقدوة في الحضور بقلمه ولسانه كل وقت وكل حين، وفي كل منتدًى ومحفل ومجمع، والقدوة في شمولية الثقافة وتنوعها، والخوض في كل إشكالياتها بعمق وحرارة وفاعلية، والقدوة في الحرص على التعريف بأعلام النهضة والفكر بأمتنا في العصر الحديث، وما زال تأثيره ممتدًّا في الأجيال المتعاقبة. إنه مولانا وسيدنا وشيخنا وفخرنا- نحن الأزهريين والأزهريات-، وهو يمثل، في ذاته وشخصيته وآثاره، نهضة فكرية مستقلة، كان له الحضور الإيجابي في كل سِنِي حياته. شرفت برؤيته مرة، وهو يناقش رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية بالمنوفية، كان مطبوعًا عفويًّا، بسيطًا يسيرًا، لم يكن نرجسيًّا متجهمًا، ولا صعبًا متكلفًا بل كان السهولة كلها،  واليسر كله، والرقة كلها، والتواضع الجم كله. ومما يزيدني شرفًا أن أستاذي الدكتور السيد الديب، وهو صنوه وقرينه في كلية اللغة العربية بالمنصورة، كان يُشَبِّهُني به في ملبسي وطريقة تعاملي مع الناس، رحمه الله، يقصد البساطة والسهولة!  إنه بحق قدوة حسنة لمَن كان يزعم أنه مثقف وأنه داعية، وأنه باحث، وأنه مفكر، وأنه مبدع، وهيهات أن نصل إلى مثل جهده، ومثل آثاره، ومثل مكانته، رحمه الله ورضي الله عنه. ومن ثم تفوق على جميع معاصريه في مجال التنافس الأدبي، فحصل على جائزة شوقي بالمجلس الأعلى للفنون والآداب بمصر، سنة 1961م، عن المسرحية الشعرية (انتصار)، وجائزة مجمع اللغة العربية الأولى، عن المسرحية الشعرية (فوق الأبوة) سنة 1962م، وجائزة مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1963م، عن ديوانه الشعري (صدى الأيام)، وجائزة مجمع اللغة العربية بالقاهرة الأولى سنة 1964م، في الدراسات الأدبية عن كتاب (الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير(، وجائزة مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1965م، في التراجم الأدبية عن حياة (محمد توفيق البكري)، وجائزة مجمع اللغة العربية سنة 1972م، عن المسرحية الشعرية (بأي ذنب(، وجائزة وزارة التربية والتعليم سنة 1958م، عن المسرحية الشعرية (ملك غسان)، فمثل هذه الجوائز دالة على شيخنا الشاعر، وشيخنا الباحث، وشيخنا الناقد، وشيخنا المسرحي!

حلَفَ الزمانُ ليأتينَّ بمثلِه   حنِثتْ يمينُك يا زمانُ فكفِّرِ

حقًّا: يمثل الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي(١٩٢٣-٢٠١١م) أنموذجًا عاليًا للإنسان البنَّاء في مجالي الإبداع الأدبي والتثقيف الفكري، بشمولية وتنوع، ولا يضاهى ولا يقارن في ذلك. أراه قد أخذ من الخليل حدة عقله، ومن ابن المقفع أسلوبه السهل الممتنع، ومن الجاحظ موسوعيته، ومن البحتري طبعه، ومن الجبرتي تسجيله كل طرفة ونادرة عاشها، ومن الطهطاوي ثقافته المتنوعة أصالة ومعاصرة، ومن عباس العقاد عمقه، ومن عبدالرحمن شكري خياله، ومن إبراهيم عبدالقادر المازني ظَرْفه! فكيف تكونت هذه الشخصية الفذة، ووصلت إلى ما وصلت إليه؟

إن من يتدبَّر مسيرة أديبنا يجد جملة عوامل كونت شخصيته وبنت ملكاته، فقد ولد سنة 1923م بقرية الكفر الجديد الواقعة بمركز المنزلة في محافظة الدقهليّة، وقد نشأ في تلك القرية الصغيرة وسط أسرة متديّنة، أعانته على حفظه القرآن الكريم مبكرًا، ويسرت دراسته في الأزهر الشريف، حيث تلقى مبادئ العلوم الدينيّة واللغويّة على علماء بلده، وحفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، ثم التحق بمعهد دمياط الديني، ومنه انتقل إلى المعهد الثانوي بالزقازيق، هذا إضافة إلى علاقته بكبار العلماء والأدباء في عصره، حيث كان صديقًا شخصيًّا ، للإمام عبد الحليم محمود،  والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد سيد طنطاوي،  وهو تلميذ محمد فريد وجدي، ومحب الدين الخطيب، ومحمد الخضر حسين، وأحمد حسن الزيّات، وأحمد أمين، ومحمود تيمور… وغيرهم. هذا إضافة إلى عمله في غير مكان ومجال؛ فقد عمل مدرسًا بالإسكندرية عام1948م ثم مدرسًا في مدرسة المنصورة الثانوية للبنين، بين عامي 1958م ، و1961م، وقد لفت انتباه وزير التعليم آنذاك، ثم عمل أستاذًا بجامعه الأزهر، حيث انتقل إلى كلية اللغة العربية وترقَّى في الرتب الأكاديمية مدرسًا، فأستاذًا مساعدًا، فأستاذًا، فرئيسًا لقسم الأدب والنقد، فعميدًا للكلية، فأستاذًا متفرغًا. وأعير إلى المملكة العربية السعودية وكوَّن صداقة قوية بصاحب مجلة المنهل،  وأثناء الإعارة فقد زوجته وألف ديوان «حصاد الدمع»، ثم بعد العودة عُيِّن عميدًا لكليه اللغة العربية بالمنصورة لمدة عشر سنوات، وله سبع بنات وولد واحد هو حسام، يعمل طبيبًا للأطفال. هذا وهو يكتب منذ الخمسينات بمجلات: الأزهر والهلال والرسالة والثقافة والأديب اللبنانية وجريده صوت الأزهر .. .

وعندما ننظر في قائمة أعماله العلمية والأدبية لعلامتنا نجدها تتنوع بين الدرس القرآني في كتبه: البيان القرآني، وخطوات التفسير البياني، والتفسير القرآني. وفي مجال السنة النبوية نجد كتابيه: البيان النبوي، وأدب السيرة النبوية عند الرواد المعاصرين، وفي الدرس الأدبي والنقدي نجد له كتب: الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير، والنقد الأدبي للشعر الجاهلي، وأحمد حسن الزيات بين البلاغة والنقد، ودراسات أدبية، ونظرات أدبية(أربعة أجزاء)، و(حديث القلم)، و(قطرات المداد)،…. ويتقاطع التاريخ مع الواقع والفكر، فتجد هذه الثلاثية في مجموعة كتب تاريخية فكرية ماتعة، هي : الأزهر بين السياسة وحرية الفكر، ومواقف خالدة لعلماء الإسلام، والنهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين (6 أجزاء)، وابن حنبل، ومع الأبطال، وصفحات هادفة من التاريخ الإسلامي، ومن القصص الإسلامي (جزءان)…ومن كتب الفكر الإسلامي لديه: في ميزان الإسلام (جزءان)، ومن منطلق إسلامي (جزءان)، ومجالس العلم في حرم المسجد، والمثل الإسلامية، وفي ظلال السيرة، ومن شرفات التاريخ، وقضايا إسلامية (جزءان)، والعشرة المبشرون، ومن أشواق العارفين، صفحات من تاريخ الصوفية، وطرائف ومسامرات، ومن أعلام العصر كيف عرفت هؤلاء؟، وعلماء في وجه الطغيان.

ويأتي الإبداع الأدبي في أجناس: (المقال، والشعر والمسرح والقصة، وأدب الأطفال، والسير والتراجم)، فمعظم كتبه كانت في بدئها مقالات منشورة في صحيفة أو مجلة. ولعلامتنا أربعة دواوين شعرية، هي: من نبع القرآن، (1983م)، وحصاد الدمع (1983م)، وصدى الأيام، (سنة 1984م)، وحنين الليالي،(سنة 1986م)، وله مسرحيات شعرية أربع، هي: ملك غسان (سنة1984م)، وانتصار، وفوق الأبوة، (في كتاب واحد سنة 1985م)، وبأي ذنب.. ومن أعماله القصصية: فاتنة الخورنق، (1984م)، وفي قصور الأمويين، مشاهدة تاريخية، تصور العصر الأموي بأحداثه وروائعه. ومن كتبه في مجال أدب الأطفال مجموعة قصص الأطفال، في أجزاء متوالية(سنة 1985م)، هي: المغامر الشجاع، والمهمة العالية، ومؤامرة فاشلة، والفارس الوفي، ويوم المجد، ودجال القرية، والحبل الأسود، والفتاة المثالية، وإلى الأندلس، ورحلة الخير، والله معي، وبطل شيبان، وإلى الإسلام، ولست وحدي، وحكمة الله، والأصل الطيب، وفي السيرة الذاتية نجد له كتاب(ظلال من حياتي)…

إننا حقًّا أمام قمة علمية وأدبية خاصة، وفائقة، وفاعلة، قلما نجد لها مثيلاً أو نظيرًا. وما أحوجنا إلى أن نحيي آثاره، ونزيده قراءة ودراسة، ونشرًا بكل وسيلة متاحة سواء كانت مطبوعة أو إلكترونية!

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: