الشاعر إبراهيم حسان يكتب : تسبيحُ الشعر …

بي حلم طفل راح يعرج للذرا
وله صهيلُ النجم يركض مقمرا
ولقد خلقتُ أصارع اليأس الذي
يغشاه نورُ الروح غيما أخضرا
ألهو على عشب السحاب مغامرا
ومن الخيال الخصب أجمع مرمرا
أنا لا أكون إذا صدىً في خاطري
قد نال من حرفي وبات مُكررا
شعراء جيلي صرت فيهم طفرةً
عني ترى سحرُ القوافي أخبرا
لي بين أقران القوافي نطفةٌ
جلَّت كنطفة مرسل بين الورى
عن بصمتي عقمت ربى الأرحام أن
تأتي بمثلي شاعرا متوترا
الشعر عندي من غروب صغته
من دمع شمس بالمجاز مضفرا
وبلغت فوق الريح سدرة غايةٍ
جاوزت بالإبداع حدَّ المشترى
أمضي إلى المعنى أسافر للسما
أنا لستُ أقنع بالفتات على الثرى
في الليل بالإلهام أجلس ساهرا
وأتوه في مدد الجمال تصوُّرا
أنا لستُ ألبس للقديم ٍعباءةً
أو في عكاظ قد أبان ونظَّرا
أنا ما تلبَّسني بوادي عبقرٍ
جنٌّ وما طفتُ البوادي والقرى
لكن بيني والقصيدة طلسما
أعيى فحول الشعر أن يتفسَّرا
ما فكه هاروتُ أو لغموضه
قد فضه سحرٌ لفرعونٍ جرى
الشعر عندي حالة تغتالني
فتحيلني قبسا جليلا قد سرى
نقشا على بيت قديم متعب
من صوبه مر الأميرُ فكبَّرا
من طينة الألفاظ أقبس قبضةً
وأصب خلطة ما بحبري سكرا
وأظل أعجن بالعطور بريقها
حتى أشكلها قواما مبهرا
وأظل أصهر شمعَ إحساسي رؤىً
وأعبأ المعنى بريقي كوثرا
حتى إذا اشتد البناءُ أتيته
ومكثتُ أحفر كل عضوٍ منظرا
وإذا رضيتُ نفختُها روحي وقد
صيرتُها بيديَّ خلقا آخرا
فإذا رأت أهدي إليها وسمها:
أنت القصيدةُ ثم تسجد إذ ترى
الشعر من عصبي ووخذ خواطري
طعم المجاز إذا تخمَّر أسكرا
مشَّطتُ من نهر المساء ضفائرا
كحَّلتُ عينا ليس تعرف ما الكرى
أسدلتُ شالا فوق وجه قصيدتي
ضمختُ أركان المفاتن عنبرا
تُلقي على الأعمى دلالا شالها
فتراه من بعد الغياهب أبصرا
حتى إذا ما أبكم قد خالها
وبإذن ربك من بلاغتها قَرا
الشعر ليس رعاك ربي مهنةً
أو خطف ديوان يباع ويشترى
ما كل بيتٍ حين نسمعه غدا
ألقا وليس التبر يصبح كالثرى
الشعر رزقٌ قد تفاوت وزنُه
والله بين الناس عدلا قدَّرا
وإذا القصيدة لم تحرك ساكنا
في النفس كالمجنون لمَّا ثرثرا
أرأيتَ كيف يكون شعرُكَ لوحةً
فيها تبارى الكلُّ كي يتصورا
ما همني إن كنتُ أرقى منصبا
أو قيل ذا حسبوه قبلك أشعرا
حسبي إذا ما جاء دوري ملقيا
كلٌّ الذي يهوى الجمانَ تجمهرا