الزي الأفريقي: أحد أهم الملامح الثقافية في القارة السمراء

بقلم: أحمد رمضان العيسوي: مدرس مساعد بقسم اللغات الأفريقية (شعبة اللغة السواحلية) كلية الألسن- جامعة عين شمس

 

هل تلاحظ مؤخرًا انتشار بعض الأزياء التي تحمل الطابع الأفريقي من حيث النقوش والتصميم في دول الغرب والدول العربية أيضًا. بالطبع، فلا شك في أن هذه الثقافة المميزة التي تظهر في الملابس الأفريقية يسهل التعرف عليها وتمييزها من بين الثقافات الأخرى، لما لها من رونق وبهجة خاصة تجذب العين. فاختلاط الألوان المستوحاة من الطبيعة الأفريقية هو ما يميزها ويكسبها ذلك الطابع المتفرد. تمثل الطبيعة الساحرة لقارة أفريقيا مصدر إلهام لمصممي الأزياء في مختلف أنحاء العالم، حيث تستلهم التصاميم نقوش جلود الحيوانات والألوان الزاهية المختلفة في الغابات وداخل المسطحات المائية وغيرها.

تؤكد أخصائية المظهر الألمانية ماريا هانز على صعوبة تنسيق الملابس ذات النمط الأفريقي، لكونها ذات ألوان زاهية ومبهجة ونقوش جذابة تلفت الأنظار. لذا فهي تنصح بتنسيق الملابس ذات النقوش الأفريقية مع قطع تتسم بالبساطة والهدوء، كي لا يبدو المظهر العام متكلفًا. وأشارت هانز إلى أن الألوان الترابية المميزة لنمط الملابس الأفريقي تتناغم بصفة خاصة مع اللونين الأسود والأبيض ودرجات الباستيل، لافتة إلى أن طريقة التنسيق هذه تجعل الملابس ذات النقوش الأفريقية مناسبة للعمل أيضًا.

وتتجسد طرق التنسيق البسيطة هذه في تشكيلات بعض الماركات العالمية؛ فعلى سبيل المثال تنسق ماركة (Taifun) تي شيرت ذا نقشة أفريقية ويزهو بدرجات الأخضر والأزرق مع سروال ذي لون رمادي وبلا نقوش، وتنسق ماركة (Comma) توب ذا ألوان زاهية وفوقه بليزر يزهو باللون الوردي مع سروال ذي لون أسود لكسر حدة الألوان الزاهية. أيضًا، تشكيلة ماركة (Alberta Ferretti) تضم تصاميم مستوحاة من نقوش قبائل الزولو، التي تعد من أكبر قبائل القارة السمراء، وتتضمن تشكيلة ماركة (Burberry) بلوفر رجالي يزدان الجزء العلوي منه بألوان ونقوش إفريقية ويتخذ شكل الياقة العريضة المميزة لملابس بعض القبائل البدائية في القارة السمراء. كما تقدم ماركة (s.Oliver) فساتين طويلة وفضفاضة تزدان باللون البرتقالي والنقوش اللافتة للنظر التي يمتاز بها نمط الملابس الأفريقية، وماركة (Antik Batik) التي تقدم تونيك بني اللون يحمل سمات النمط الأفريقي المتمثلة في القصات الفضفاضة والألوان الترابية الدافئة والرسومات.

 

 

تزخر قارة أفريقيا بالعديد من الأشكال الثقافية التي تختلف من مجتمع لآخر داخلها. فإذا نظرنا إلى الملبس، وهو موضوع هذه المقالة، نجد المجتمع العربي شمال القارة يختلف عن مجتمع شرق أفريقيا مثلًا، حتى إن المجتمع الواحد يمكن أن تتعدد فيه الملامح الثقافية. وفي هذا الإطار، نلمح إلى أنه يوجد نوعان من الملابس: الملابس الاعتيادية اليومية التي يمكن أن تشترك فيها العديد من المجتمعات، والملابس الخاصة بالمناسبات التاريخية والتراثية التي تختلف حسب ثقافة المجتمع نفسه، ويمكن أن تكون ملابس محلية اعتيادية في بعض المجتمعات. الجدير بالذكر أن بعض الملامح المميزة للملابس الأفريقية يمكن أن تتشابه في بعض المجتمعات داخل القارة وخارجها، وهذا ما يظهر حاليًا في تصميمات الأزياء المعاصرة في مختلف الدول.

وبالنظر لمجتمع شرق أفريقيا تحديدًا، نجد بعض الملامح الثقافية في الملبس التي تميزه. فمثلًا يعد (كيتينجي Kitenge)، المعروف أيضًا باسم نسيج الطباعة بالشمع الأفريقي، نوعًا شائعًا من الأقمشة المستخدمة في الملابس في كل من شرق أفريقيا وغربها أيضًا. كينيا وأوغندا وتنزانيا والسودان هي بعض البلدان في شرق أفريقيا التي تستخدمه.

تستخدمه النساء بشكل أساسي، لارتدائه مثل التنورة الملتفة، على غرار جنوب شرق آسيا (السارنغ) اللباس الرئيسي للجنسين بأرخبيل، أو لبسه مثل رداء وربطه من الصدر، كحجاب، وحمل الأطفال. يُخاط حتى في الفساتين والسراويل والقمصان والتنانير.

وفي تنزانيا، يشتهر رداء (كانزو Kanzu). وهو رداء أبيض طويل بأكمام كاملة يرتديه الرجال، على غرار الثوب العربي في الشرق الأوسط. في كثير من الأحيان يُلبس مع سترة بدلة على الطراز الغربي أو عباءة فضفاضة بأكمام طويلة تُعرف باسم البشت، مع قبعة أسطوانية مطرزة بقمة مسطحة تسمى (kofia). تجدر الإشارة إلى أن هذا الرداء مستوحى من ملابس العرب العمانيين الذين قدموا سابقًا إلى ساحل شرق أفريقيا بغرض التجارة.

من ناحية أخرى، ترتدي النساء رداء (كانجا Kanga). وهو عبارة عن قطعة قماش مستطيلة مصنوعة من القطن الخالص. الفرق بين kanga وkitenge هو أن مادة kitenge أكثر سمكًا وذات جودة عالية. يُستخدم kitenge أيضًا بشكل شائع وعلى نطاق أوسع لتصميم الملابس اليومية، في حين أن خياطة الملابس من kanga هي مفهوم حديث إلى حد ما، ويتم حاليًا فقط على مقياس صغير. لكن في النهاية كلاهما من الملابس اليومية في شرق أفريقيا.

كلمة (kanga) في السواحلية تعني نوعًا من الطيور، تحديدًا طائر غينيا أو ما يعرف بالغرغر أو الدجاج الحبشي، وقد سمي الرداء بهذا الاسم لأن الأنماط الموجودة على القماش تشبه البقع الموجودة على ريش ذلك الطائر. غالبًا ما تمثل التصاميم المناظر الطبيعية التنزانية والنباتات والحيوانات والرموز الثقافية. يمكن أن تحتوي التصميمات حتى على شعارات ورسائل سياسية لدعم حزب سياسي معين أثناء حملته الانتخابية. حتى إن هناك كانجا خاصة لحفلات الزفاف تسمى (Kisutu) وتأتي باللون الأبيض والأسود والأحمر.

في القماش المستطيل من كانجا يوجد إطار ملون سميك مع تصميمات معينة، وغالبًا ما يكون الوسط بلون متباين مع المزيد من الزخارف. فوق الحد السفلي مباشرةً، توجد رسالة مكتوبة باللغة السواحلية. تجدر الإشارة إلى أن تلك الرسائل لم تكن جزءًا من الكانجا في البداية، لكن أضيفت عليه في بداية القرن العشرين تقريبًا. يمكن أن تحمل الرسائل نصيحة للناس لتعلم العادات الجيدة والقيم الأسرية الجيدة. ويمكن أن تكون رسالة إيجابية لأنفسهم، والتي تنطبق بشكل أكبر على الفتيات اللواتي يصلن إلى مرحلة الأنوثة. في هذه الحالة، تكون الرسائل بمثابة تعاليم وتحذيرات حول المواقف المحتملة في الحياة. تعمل بعض الرسائل كرسائل رومانسية سرية موجهة لأزواجهن. أو يمكن أن تكون إهانة خفية موجهة إلى شخص معين.

تُشترى الكانجا في أزواج حيث ترتدي النساء عادةً اثنين في وقت واحد. تأتي كلتا القطعتين كقطعة واحدة طويلة يجب تقطيعها إلى قطعتين. بعد ذلك تُخاط الحواف المقطوعة قبل ارتدائها. يمكن أن تُهدى في حفلات الزفاف وأعياد الميلاد وحتى للضيوف للترحيب بهم أو كرمز للصداقة.

لارتداء الكانجا، ترتدي النساء أولاً فستانًا طويلًا يمكن أيضًا تصميمه من قماش كانجا. بدلاً من ذلك، قد يرتدون أيضًا قميصًا فضفاضًا وبنطلونًا. ثم يربطون الكانجا عند الخصر أو الصدر. يمكن ارتداء القطعة الثانية كغطاء للرأس، خاصة بالنسبة للنساء المسلمات، أو يمكن استخدامها شالًا أو رداءً.

وفي كينيا، لا نغفل الرداء المشهور لقبيلة الماساي: رداء (شوكا Shuka) الذي يتكون من ثلاث قطع من القطن. اثنتان منها تُربطان عند الكتف، كل منها يغطي الجسد. والثالثة ملفوفة حول الكتف مثل شال. أو توضع على الكتفين من الخلف مثل عباءة.

يأتي الشوكا في الغالب باللون الأحمر لأنه اللون الأساسي لشعب الماساي. الأحمر هو رمز الأرض والحرية والشجاعة والدم بالنسبة لهم. قد يأتي أيضًا باللونين الأزرق والأخضر. يمثل اللون الأزرق السماء، والأخضر يرمز إلى الخصوبة والأرض والثروة. في الآونة الأخيرة، ظهرت ألوان أخرى متعددة لهذا الرداء.

في الحقيقة، هناك العديد من المظاهر الثقافية للشعوب الأفريقية على مستوى الملبس. إمكانية حصر هذه الأنماط في مقالة واحدة تعد أمرًا صعبًا بسبب تعددها وتاريخ أصالتها الذي يتطلب سطورًا كثيرة جدًا للتعبير عنه بالوصف والاستفاضة. لا شك أن الطابع الغربي في الملابس يغلب على الكثير من الأزياء الحالية، لكن تظل الثقافة الأفريقية حية ومتجددة مهما اختلفت الأذواق وتعددت التصاميم، لما لها من طابع مميز مستوحى من الطبيعة الأفريقية المبهجة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: