الدكتور/ عبد الرحمن معوض علي يكتب: تأملات ومشاهدات من ماليزيا (2)

تأملات ومشاهدات من ماليزيا (2)

الدكتور/ عبد الرحمن معوض علي

أستاذ البلاغة والنقد والأدب المقارن المساعد بجامعة (unishams)-ماليزيا.

 

نسعى في هذه السلسلة إلى تسليط الضوء على بعض المشاهد الإيجابية من دولة مسلمة عصرية وحديثة، مما يثري خبراتنا ويعمل على تحفيزنا نحو تنمية القيم الإيجابية في مجتماعتنا.

المشهد الذي نرصده في هذا المقال هو مشهد إحياء المسلمين الماليزيين للمناسبات الدينية التي يأتي في مقدمتها الاحتفاء بشهر رمضان والاحتفال الفريد بعيد الفطر المبارك.

يبدأ الماليزيون الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك من شهر شعبان حيث تقيم الأسر الماليزية مجلسًا يُعرف بمجلس استقبال رمضان، يُقرأ فيه القرآن وتتلى فيه الأدعية رجاء أن يعينهم الله على الصيام والقيام في الشهر الفضيل ومع قرب دخول شهر رمضان تزدان البيوت بالأنوار والزينات وتُهيَّأ المساجد، فالمسجد هو مركز الاحتفالات الدينية بما يمثله من مكانة ورمزية لدى مسلمي ماليزيا وتتميز المساجد في ماليزيا بروعة بنائها وجمال تشييدها ودقة نظافتها  ويأتي موقع المسجد ليمثل إضافة جمالية تزيد من جماله المعماري فكثيرًا ما يقع المسجد قرب متنزه جميل أو وسط حديقة خلابة أو بجوار نهر متدفق أو على ساحل بحر ممتد، ويُلحق بالمسجد ساحة لانتظار السيارات وغرف خدمات مما يسهل ممارسة الأنشطة الدينية والاجتماعية والترفيهية فيه، فالمسجد في ماليزيا ليس مكانًا للصلاة فقط، وإنما هو نادٍ اجتماعي ومدرسة تربوية وساحة رياضية ومكتبة تثقيفية فهو أشبه بصورة المسجد الذي قرأنا عنه في تراثنا الإسلامي، ذلك المسجد الذي كانت تخرج منه الجيوش وتُمارس بصحنه الرياضة ويلتف الطلاب حول أعمدته للبحث والدرس، ويُفضِّل كثير من الأسر تناول طعام الإفطار في رمضان في المسجد، حيث تُعقد موائد الإفطار التي يمولها متبرعون أو أفراد المسجد أنفسهم. فيتلاقى أهل كل حي يوميًا حول مائدة الإفطار مما يزيد من أواصر المحبة، ووشائج المودة بينهم.

وعلى هامش الشهر الكريم يقيم الماليزيون ما يعرف بـ (بازار رمضان) وهو من التقاليد الماليزية العريقة والبازار عبارة عن أكشاك خشبية وخيام تُقام في جميع الولايات الماليزية في أماكن مخصصة لذلك، وفي هذه البازارات يجد المتسوق ما لذَّ وطاب من الأكلات الماليزية التقليدية إضافة إلى المقتنيات المنزلية والملابس والتحف والهدايا، ومع قرب انفراط عقد الشهر الكريم يتجهز الماليزيون للاحتفال بالعيد، وهو احتفال فريد من نوعه، حيث يستمر شهرًا كاملًا. تبدأ التجهيزات بإعداد الأطعمة والحلوى الخاصة بالعيد وشراء الملابس التقليدية التي تُسمى (باجو ملايو) وهي أزياء وطنية ذات ألوان زاهية وجميلة، ويبدأ الاحتفال بالعيد من اللحظة التي يُعلن فيها ثبوت هلال شوال، فتبدأ الاحتفالات بالتكبيرات في المساجد وتنطلق الألعاب النارية في السماء، وفي صبيحة العيد يرتدي الماليزيون الملابس التقليدية ويلبس أفراد العائلة لباسًا بالألوان نفسها ذكورا وإناثا ثم يتوجهون لأداء صلاة العيد، وبعد الصلاة يتبادل الجميع التهاني والسلام مع تريد عبارة التهنئة الشهيرة (سلامات هاري راياعيد الفطر ماف ظاهر دان باتن) ومعناها: عيد مبارك مع طلب المغفرة والمسامحة في الظاهر والباطن، ثم يصطف الأطفال في صفوف منتظمة لتوزع عليهم العيدية التي تُعرف في اللغة الماليزية بـ (Duit Raya) وتحرص الأغلبية من الماليزيين على العودة إلى القرى حيث بيت العائلة، ويفضلون ذلك عن الخروج إلى المتنزهات وأماكن الترفيه، ومن أبرز مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في ماليزيا ما يُعرف بالبيت المفتوح، وهو تقليد ماليزي أصيل يُسمى باللغة الملايوية “روما تربوكا (Ruma Terbuka) أي البيت المفتوح، حيث يفتح الماليزيون بيوتهم للزوار طوال شهر شوال، وتقسم الأيام بالتناوب بين أفراد العائلة، حتى يستطيع الجميع زيارة بعضهم بعضًا، ولا تقتصر الزيارات على أفراد العائلة والأصدقاء، بل تمتد لتشمل حتى غير المسلمين من الأعراق الأخرى.

تستمر أجواء عيد الفطر في ماليزيا على مدار شهر شوال، وتتعاقب المؤسسات الحكومية والخاصة في تنظيم يوم للاحتفال بالعيد وينطم ديوان رئيس الوزراء يومًا للاحتفال بتلك المناسبة، يتم فيه استقبال عامة الناس وتبادل التهاني مع تقديم الأطعمة والمشروبات، ويشارك غير المسلمين في هذا اليوم في جو يسوده الود وتغشاه المحبة، ليعكس صورة مجتمع متجانس يعشق السعادة ويبحث عن الأفراح، ويكاد أن يخلو من الأحزان والأتراح.

وإلى اللقاء مع مشهد جديد إن شاء الله.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: