الدراما والبلاغة التناغم والتباعد
الأستاذ الدكتور رجب إبراهيم أحمد جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
وضع وليد سيف شروطا لتذوق النص البلاغي والأدبي في ثلاثيته لتحصل الفائدة دون ملل أو كلل فيقول: “أما الجماليات الأدبية الحقيقة فتنبثق من طبيعة الموقف الدرامي وصراعاته، وتوظف في خدمة التأثير المنشود منه على نحو طبيعي لا تعسف فيه ولا تكلف، فهذه حوادث درامية تحاكي الحياة الواقعية وما فيها من مواقف وعلاقات إنسانية. فلا ينبغي أبدا أن تكون مجموعة النصوص الإنشائية والنثر الشعري مركبة على الشخصيات من خارجها، ومقحمة على المواقف، بحيث تبدو مُنبَتَّة عن هؤلاء وأولئك إذ إن شعرية الحوار الدرامي وقيمته الجمالية تخضع لشروط الدراما ومقتضياتها، ولا ينبغي أن يتقدم فيها الشكل على الفكرة والمحتوى والموقف، ولكنه يتشكل بهؤلاء في السياق السردي”
إن الإنسان وهو أمام الشاشة الصغيرة يدرك العلائق ويربط ويفهم “ويتذكر” بكيفية مخالفة تمام المخالفة لما يقوم به وهو أمام نص مكتوب. ولعلنا اليوم نقتنع، أكثر من أي وقت مضى، أن الصورة تتيح نمطا مخالفا لبلوغ المعرفة والتمكن منها. إنها أقوى بلاغة وأكبر قدرة على تكثيف المعاني وعرضها ونشرها” .
إذن فالموقف الدرامي كما يبدو من كلام وليد سيف موقف تعليمي يتم فيه توظيف الدراما في خدمة المحتوى، والمستفيد الأوحد هو المشاهد أو المتلقي، فالدراما تخدم المحتوى وهو أيضا خادمها” إذ لا فاصل في بلاغة الحوار الدرامي بين الشكل والمحتوى فكلاهما يتحقق بالآخر، بل هما حقيقة واحدة”
لقد كان جمال لغة وليد سيف وقدرته على نظم عبارته وسبكها سببا رئيسا في اختيار البحث لثلاثيته الأندلسية وتوظيفها الدرامي في مدى قدرة الطلاب غير الناطقين بالعربية على التذوق البلاغي لنصوصها، وهذا هدف يظهر من طرف خفي لدى “وليد سيف” نفسه، إذ الرجل أديب وشاعر محب للغته، يحاول أن يؤرخ لجمالها كما يؤرخ لأحداث أمتها، وهو في هذا ينطلق من ثقة بالمواطن العربي، ولكل محب للعربية راغبٍ فيها لا عنها، فقد راهن على الاستعداد الفطري لكل متذوق للبلاغة العربية أيما كانت ثقافته، وقد كسب هذا الرِّهان:” وقد صحَّ بذلك ظني في الجمهور العربي، فما زالت اللغة تحتل موقعا مركزيا في حسه الجمالي وعالمه الوجداني” .
لقد بات من الضروري أن نقرر أن ثلاثية وليد سيف جمعت بين الحوار النخبوي والشعبوي، وزادت في المأثور اللغوي والبلاغي لدي الطبقتين” ولقد عدت الدراسات الحديثة الصورة وسيلة حرة للتواصل دون قيود أو حواجز كتابية أو فكرية فتوسعت دائرة الاستقبال وتنوعت طرق التأويل فكان التحرر من قيود احتكار النخبة في التأويل، فتحرر النص منهم ومن صاحبه أيضا” .
ومن يشاهد هذه الثلاثية سيشعر بعد فراغه منها بقوة تأثيرها اللغوي والأدبي والثقافي على شخصيته، ذلك أن هذا ما سعى إليه وليد سيف مذ بدأ خط الدراما التلفزيونية فقد جمعت أعماله التاريخية ” بين القيمة الدرامية والثقافية الراقية، شأنها في ذلك شأن الأشكال الأدبية والثقافية المقروءة، والرواج الشعبي من خلال التقنيات البصرية التي تحملها إلى كل بيت. فهي إذن دون غيرها من الأشكال. يمكن أن تسقط الحدود بين الثقافة العليا والثقافة الشعبية، كذلك بين جمهور النخبة والجمهور العام. وهذا هو سر قوتها وقدرتها على التأثير” .