الحوار القرآني وبلاغة الخطاب التعليمي

بقلم الدكتور أيمن أبومصطفى
الخطاب التعليمي عصب العملية التعليمية ؛ وقد وجدنا في القرآن الكريم كثيرا من الوسائل والطرق التعليمية التي تحتاج منا وقوفا طويلا، فالقرآن الكريم خطاب تعليمي سبق المدارس الحديثة في التربية من خلال استخدامه أدوات راقية جدا في العملية التعليمية ،ومنها:
(1) المد خل أو المهاد: ويكون من خلال طرح مايجعل المتعلمين ينتبهون إلى مايتم طرحه ويرغبون بالتواصل لمعرفة ما سيأتي من حديث .
(2) الحوار والمناقشة : أسلوب الحوار والمناقشة في عرض الدرس من الأساليب القرآنية على ما سنرى.
(3)كشف طاقة المتعلمين ومراعاتها : فالمعلم الناجع هو الذي يراعي طاقة المتعلمين ويكون درسه مناسبا لهم؛ بحيث لا يؤدي الى الملل .
(4) الخزين اللغوي ومنه (الأمثال ): إنّ للمثل أثراً بالغا في إيصال المعنى إلى العقل والقلب ذلك أنه يقدم المعنوي في صورة حسية فيربطه بالواقع ويقربه إلى الذهن.. فضلا عن أن المثل بمختلف صوره له بلاغة تأخذ بمجامع القلوب وتستهوي العقول.
(5) الإعادة والتكرير: وهي من الأدوات التربوية المهمة في العملية التعليمية،وذلك لكونها تُعين على الحفظ والفهم والاستيعاب.
(6) الوسائط المتعددة:الأدوات التوضيحية لتقرير وتأكيد المعنى في نفوس وعقول السامعين وشغل كل حواسهم بالموضوع وتركيز انتباههم فيه؛ ومن هذه الأدوات :
(أ) لغة الجسد ؛ ومنها ؛ حركة اليد: كتشبيكة الأصابع ؛ أو الابتسامة الهادئة ؛ أو غير ذلك من الحركات .
(ب) التعبير بالرسم : لا ينكر أحد ما للوسيلة التعليمية التي يستخدمها المدرس قاعة الدراسة من بالغ الأثر على المتعلمين .
(ج) التعليم العملي : إنّ التعليم العملي له الأثر الكبير في الإفهام وترسيخ المعلومة لدى المتعلمين .
الحوار في القرآن الكريم وقيمته التعليمية:
القرآن الكريم مشتمل على نماذِجَ كثيرةٍ من أساليب الحوار المتنوّعة التي أرشد الله عزّ و جلّ نبيَّه صلّى الله عليه و سلّم لاتّباعِها في مسيرتِه العمليّة و الدّعويّة ، و قد بنى من الحوارِ قاعدةً كبرى تطبع علاقاتِه كلَّها، واتّخذها وسيلةً لنشر المعرفة المؤدّية إلى الحقّ : « وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَ قالَ إنَّني مِنَ المُسْلِمينَ » ، « اُدْعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَ المَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ » .
وقد وردت صيغة قل في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة، وهذا يدل على أهمية الحوار ، ولم يرد النهي عن القول إلا في مواضع محدودة، وكل خهذه المواضع تخدم الحوار، ومن ذلك ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ
ونستطيع أن نستخلص من نماذج الحوار في القرآن الكريم أسس ومنهج الحوار التي ينبغي أن يسلكها كل محاور:
1- في مفتتح الحوار ينبغي أن تقدم نفسك، وأن تعرض هدفك، ففي ذلك رسالة إلى الطرف الآخر تحمل عدة أبعاد، وقد وجدنا ذلك جليا في الحوار القرآني، فكل الأنبياء بدأوا محاوراتهم ببيان أنهم مرسلون من الله تعالى وذلك للدلالة على أمانتهم في تبليغ الرسالة ، فكل الرسل قدموا تعريفا عن أنفسهم وذكرا لشمائلهم وبيانا لوظيفتهم، ومن ذلك:( نوح) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) الشعراء ( هود) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) الشعراء (صالح)إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)الشعراء (لوط)إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (شعيب)الشعراء (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)الشعراء(موسى) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)الدخان.
2- كما أن بداية الحوار ينبغي أن تكون لطيفة هادئة لينة تعتمد على استجلاب قلوبهم ، فقد وردت كلمة (اتقوا)(12) مرة وكلمة(أطيعون) (8)مرات وكلمة(اعبدوا) (8) مرات، وهي أوامر لاتحمل بعدا تهديديا ، وتتدرج نبرة الخطاب بتدرج موقف المحاور، فنجد أنها تصل إلى درجة التهديد في نهاية الحوار إن أصر على المعاندة(انتظروا) (اعملوا) (تمتعوا) (فارتقبوا)…
3- الحرص على قول الحق، والاعتماد على البينة والدليل، كقول موسى عليه السلام: حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ (105) الأعراف.
4- البعد عن الجهل الذي هو ضد العلم ، أو النزقُ والطيش، كقول موسى عليه السلام: قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(67) البقرة .
5- السماح للمحاور بإبداء حجته أو تقديم دليله : كقول موسى عليه السلام للسحرة :{قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ، قَالَ أَلْقُوْاْ (116) الأعراف.
6- عدم الإلزام بالرأي، كقول نوح عليه السلام: يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)
7- الصدق ، والإشعار بالرغبة في السعي للأصلح، كقول شعيب عليه السلام لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ (88 )هود.
8- تصحيح الأفكار والمفاهيم المؤثرة في فهم المخاطب : كقول نوح عليه السلام: قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) الأعراف .
9- الصبر على جهل المخاطب وخطئه، وعدم مواجهة الغلظة بمثلها، كقول إبراهيم عليه السلام في رده على خشونة أبيه: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47)مريم، وقول موسى عليه السلام في رده على قول فرعون:قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) الشعراء، وقول هود عليه السلام : قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) الأعراف .