الجائزة الأدبية الروسية الكبري (بوكر) – نشأتها والفائزون بها – (الجزء الأول)

أ.د/ دينا محمد عبده
في عام 2001م حصلت الكاتبة البارزة لودميلا أوليتسكايا علي جائزة بوكر الروسية عن روايتها (حالة كوكوتسكي). ولدت في بشكيريا عام 1943م ، وتعتبر هي أول امرأة حصلت علي هذه الجائزة. وفي أثناء الحرب تم إجلاء عائلتها والقبض علي جديها للأب والأم وبعد الحرب عادت إلي موسكو. كتبت عدة مقالات ومسرحيات للأطفال وسيناريوهات للراديو ولمسرح العرائس للأطفال وقامت بترجمة العديد من القصائد الشعرية من اللغة المنغولية. قامت بنشر قصصها وأعمالها في نهاية الثمانينات، وبدأت تذيع شهرتها بعد كتابة سيناريو فيلم (شقيقات ليبيرتي) وكذلك فيلم (امرأة للجميع). صدرت عام 1992م رواية (صونيتشكا) في مجلة (نوفي مير)، وهي الرواية التي حصلت على جائزة (مديسيس) الفرنسية كأحسن رواية أدبية أجنبية مترجمة وجائزة (جيوزيبيه أتشربي) الأدبية في إيطاليا وبلغت القائمة القصيرة لجائزة البوكر الروسية.
ترصد الرواية التحولات النفسية العميقة لشخصية البطلة من خلال تفاصيل الحياة اليومية. غرقت البطلة صونيتشكا في الكتب منذ صغرها، وعاشت بين شخصيات الروايات غير مُكترثة بما يدور في الواقع من حولها، إلى أن تعرف عليها روبرت فيكتوروفيتش في قبو المكتبة العامة وطلب يدها، فتركت الكتب وعاشت حياة بسيطة لكن سعيدة مع زوجها الفنان وابنتهما الوحيدة وكرست حياتها من أجلهما. ولكن لم يفارقها يومًا الشعور بأنها لا تستحق كل هذه السعادة، فلم تُفاجأ عندما جاء ما يُهدد حياتها من اقتحام امرأة أخري قلب زوجها، وتكيفت علي الوضع القائم.
تعتبر أوليتسكايا هي صاحبة الرقم القياسي في تاريخ الترشيحات لجائزة البوكر الروسية، فوصلت خمسة من أعمالها إلى القائمة القصيرة، منها «صونيتشكا» عام 1993م. وهي أكثر أديبات روسيا المعاصرة ترجمةً إلى اللغات الأخرى. وبيعت من أعمالها أكثر من أربعة ملايين نسخة في أنحاء العالم. من أهم أعمالها مجموعات قصصية مثل (الطفلة-49)، (الوجه الثاني)، (الأولون والأخرون)، (فن الحياة)، (البنات)، (النفاية المقدسة)، وأيضا روايات (الأقارب الفقراء)، (الجنازات المرحة) و (الخيمة الخضراء).
في عام 1999م أسست الكاتبة صندوق لودميلا أوليتسكايا لدعم المبادرات الإنسانية وأحد مشروعات هذا الصندوق هو (الكتب الجيدة) حيث كانت تختار الكاتبة الكتب الروسية المتميزة وترسلها إلي المكتبة الروسية. في عام 2014م بدأ مكتب المدعي العام بمدينة أوريل بفحص كتاب أوليتسكايا (لدينا عائلة وللأخرين) الذي يحتوي علي (دعاية للميول الجنسية غير التقليدية) بين القاصرين. وقد أثار هذا الكتاب الذي يحكي للأطفال تاريخ المثلية استياء كبيراً بين الكثير من النقاد والقراء.
في العام التالي عام 2002 م حصل الكاتب أوليج بافلوف علي بوكر الروسية. ولد الكاتب في موسكو عام 1970م . نشر عام 1994م في مجلة (نوفي مير) أول رواية له بعنوان (حكاية رسمية) والتي جلبت للكاتب شهرة كبيرة ورواية (عمل ماتيوشينا) التي تعرضت للنقد. كما نشرت (الجريدة الأدبية) قصة (نهاية القرن) التي تتحدث عن أولئك المحكوم عليهم بالموت في المجتمع المعاصر.
اتجه الكاتب إلي الحديث عن روايات السيرة الذاتية، فكتب قصص مثل (أحلام عن نفسي)، (تفاحات من تالستوي)، (التلاميذ) و (في الأزقة الملحدة). بعد عدة سنوات ظلت دار نشر (فريميا) تصدر له الكثير من الأعمال بدءا من عام 2007م عندما أصدت الدار سلسلة الكاتب (نثر أوليج بافلوف) وبعد توقف، صدرت للكاتب عام 2010م رواية (توقف الانقباض) والتي تمتلئ بالكثير من المواقف الحياتية المأساوية وتعتبر هذه الرواية هي استكمال لهذه القضية التي بدأها الكاتب منذ ستة عشر عام عندما كتب كتابه (يوميات حارس مستشفى) والذي يؤرخ للوقائع التي تحدث في قسم الاستقبال في مستشفى عادية بموسكو. حصل الكاتب علي العديد من جوائز المجلات الأدبية ومنها جائزة (نوفي مير) 1994 و (أكتوبر) 2001، 1997، 2007 و (زناميا) 2009، كما حصل عام 2012م علي جائزة ألكسندر سوجينتسين علي إبداعه المتميز المفعم بالشاعرية والمعاناة. أما بوكر التي حصل عليها في وقت مبكر عام 2002م فكانت عن رواية (تسعين كاراجندا). ترجمت أعماله إلي الفرنسية والايطالية والصينية والهولندية والبولندية والمجرية. توفي الكاتب عام 2018م عن عمر يناهز الثمانية والأربعين عام.
حصل علي الجائزة في عام 2003 الكاتب روبين جاليفو الذي ولد في موسكو عام 1968م وحصل علي شهرة واسعة بعد كتابة رواية السيرة الذاتية (أبيض علي أسود) التي استحقت بوكر الأدبية كأفضل رواية كٌتبت باللغة الروسية في هذا العام . صدر له في عام 2005م كتاب أخر له قيمة أدبية وهو (أنا أجلس علي الشاطئ). كتب عدة مقالات صدرت في العديد من الصحف والمجلات من أهمها (الحلم الأمريكي)، (بتر الروح)، (غدا سنلتقي)، (الشرفة) و(لم نتمكن من النظر إلي الوراء) و(جسدي) وغيرها. سافر الي الولايات المتحدة عام 2007م، وفي عام 2011م سقط بكرسيه المتحرك على قضبان قطار مترو الأنفاق في واشنطن، حيث فقد الوعي لمدة أسبوع إثر هذا الحادث، وتهشمت قدميه وعظام وجهه. وأجريت له عدة عمليات جراحية. ويقوم مستخدمي الإنترنت بإرسال النقود للكاتب روبين جاليفو لمساعدته في نفقات العلاج.
فاسيلي أكسيونف هو الكاتب الحاصل علي الجائزة عام 2004م ، وقد ولد أيضا في كازان عام 1932م، وتوفي في موسكو عام 2009م. بدأ نشاطه الأدبي كأديب محترف عام 1960م . كتب عدة روايات قصيرة منها (الزملاء) 1959م، (تذكرة نجم) 1961م، والتي استخدمت كمادة لفيلم (الأخ الأصغر) الذي عرض عام 1962م ورواية (برتقال من مراكش) 1962 م و (لقد حان الوقت يا صديقي، لقد حان الوقت) 1963م ومسرحية (دائما للبيع)، ورواية (النصر) 1965م. في عام 1971م كتب رواية قصيرة بعنوان (الحب للكهرباء) و في عام 1972م كتب رواية ساخرة عن الجاسوسية بعنوان (جين جرين – لا يمكن المساس به). تعرض أكسيونف في عهد نيكيتا خروشيوف في الستينيات للنقد شديد. وشارك عام 1966م في تظاهرة بالميدان الأحمر ضد استعادة الستالينية. وفي السبعينيات وبعد انتهاء (عصر الذوبان) في روسيا تم منع أعماله من الصدور داخل الوطن. وكتب روايات مثل (احتراق) 1975م و(جزيرة القرم) 1979م دون نشر. من عام 1977-1979م بدأت هذه الأعمال تصدر في الخارج خاصة في الولايات المتحدة خاصة رواياته الشهيرة (جزيرة القرم) وكذلك رواية (جيليزكا الذهبية) 1980م والمجموعة القصصية (الحق في الجزيرة) 1981م، كما صدرت له في الولايات المتحدة أعمال مثل (اللوحة الورقية) 1982م، (قل: جبن) 1985م، (البحث عن رضيع حزين) 1986م ، ورواية (صفار بيض) 1989م التي كتبها بالإنجليزية ثم ترجمها إلي الروسية و ثلاثية (ملحمة موسكو) 1989، 1991، 1993م والمجموعة القصصية (سلبية بطل ايجابي) 1995م، و(نمط حلو جديد) 1996م التي كرسها للحديث عن سنوات الهجرة في أمريكا. بعد عشر سنوات من الهجرة عاد أكسيونف عام 1989م الي الاتحاد السوفيتي قبيل انحلاله واستعاد الجنسية السوفيتية عام 1990م.
في عام 2009م كتب أخر رواياته (العاطفة الغامضة، رواية حول الستينيات)، وفي نفس العام توفي الكاتب في موسكو ودفن في أرض الوطن.
وبالانتقال إلي الحديث عن كاتب أخر من فائزي بوكر الروسية، نجد أن الكاتب دينيس جوتسكا الجورجي الأصل حصل عليها عام 2005م عن رواياته (بدون أثر للطريق). كان مشاركاً في منتدي الأدباء الشباب الروس، وحصل علي جائزة دولية أدبية عام 2014م. صدر له عام 2000م قصة (الأسد المروض)، وكتب العديد من المؤلفات التي صدرت في مجلات أدبية روسية مرموقة مثل (صداقة الشعوب) و (فولجا). كما كتب رواية قصيرة مميزة تحت عنوان (هناك عند أنهار بابل).