البلاغة ممارسة تواصلية (31) 

البلاغة والتطور التكنولوجي

الأستاذ الدكتور أيمن أبومصطفى
التطور سنة كونية، من ظل ثابتا فهو في الحقيقة متأخر، فلقد أصبح التطور ضرورة لا ترفا، ونحن من خلال ذلك مطالبون باستثمار التكنولوجيا في خدمة الدرس البلاغي، فكيف يمكننا ذلك؟
يكون ذلك عن طريق استحداث وسائل تعليمية مناسبة لتدريس البلاغة، وقد بدأت الدعوة لاستخدام الوسائل التعليمية في التربية بشكل واضح في عصر النهضة الأوروبي، فقد دعا رابليه (Rabelais)1483-1554. إلى التشويق في التعليم عن طريق اللهو واللعب: المواد، والألعاب المحكية Simulation inaterialas(Materials) and games) .
وجاء بعده كومينوس 1592-،1670.الذي يُعدّ بواقع الأمر، الأب الحقيقي لتكنولوجيا التعليم المعاصرة ووسائله. حيث أكّد على (أهمية العديد من المبادئ التربوية الحديثة، كوجوب استخدام الحواس في التعليم، مع الموضوعات والأشياء الحقيقية والصور التوضيحية، كما دعا لتكون مجهّزة بالمواد الواقعيّة، والتوضيحيّة، يقوم على التدريس فيها معلمون إنسانيو العاطفة والميول). وأشهر ما وصلنا عنه في عام1658 كتابه: (العالم في صور- The world in pictures )، الذي يعد من أوائل الكتب المدرسية التي أبرزت دور الوسائل في التعلّم والتدريس.
أما لوك وروسو وبستالوزي وفروبل وديوي في الفترات التالية لكومينوس، وحتى منتصف القرن العشرين [المنصرم]، فقد ركّزوا جميعاً على (استخدام البيئة، بكل مايمكن أن تقدّمه من خبرات حسيّة مباشرة، تعين العملية التربوية وتسهّلها. كما أكّد معظمهم ضرورة الاستعانة بالوسائل الرمزية، كالصور، والأشكال، والرسوم التوضيحية، والنماذج المجسّمة، في حالة عدم توافر الأشياء الطبيعية المناسبة)……
وهناك تسميات متنوعة لوسائل، [وتكنولوجيا] التعليم: منها الوسائل السمعية – البصرية (audio-visualmedia)، والمعينات التربوية (educational-aids)، ووسائل الإيضاح، وتكنولوجيا التعليم، أو التدريس (instruction-technology) الوسائل الاختيارية (الإغنائية) والأساسية- الوسائل المعيارية أو الوسيطة (criterion media)
يتّضح هنا بأن وسائل [وتكنولوجيا] التعليم (Educational media and technologies) هي : مواد وأدوات توظّف جزئياً أو كلياً، في التعليم ، لإحداث عملية التعلّم ، فالمعلم والكلمة الملفوظة، والكتاب، والصورة، والشريحة، والفيلم، والحاسوب، والخبير وغيرها، تعدّ وسائل وتكنولوجيا تعليميّة مهمة، للتعليم والتعلم .
كما تضح ضرورة استخدام الحاسوب، والوسائل السمعية والبصرية في تعليم العربية عامةوالبلاغة خاصة، (التعليم teaching والتعلم(learning واستخدام التكنولوجيا المعتمدة على الصوت (تكنولوجيا السمعيات) من مثل: (الأشرطة المسجلة والمصورة ، واللوحات التوضيحية الملونة ، والبث الإذاعي، والهواتف)و الرسوم الألكترونية من مثل: (اللوحة الألكترونية، الفاكس) وتكنولوجيا الفيديو: (التلفزيون التربوي، التلفزيون العادي، الفيديو المتفاعل، أشرطة الفيديو، أقراص الفيديو المبرمجة ، واقراص الليزر الرقمية) والحاسوب وشبكاته من مثل: (الحاسوب التعليمي للفرد للتعليم والتدريب والتقويم – مساعدة المعلم – مصدر للمعلومات – مناقشات البريد الألكتروني، شبكة الأنترنيت، مناقشات الفيديو الرقمي – الأفلام – الشرائح – سجلات المتعلمين وأمورهم التعليمية والإدارية والمالية )
فدور المعلم في تدريس البلاغة لم يعد دور الملقن، بل غدا مدربا، يحاول إيجاد الطرق المناسبة لتوصيل المعارف للمتعلمين، فالمعلم يشرح باستخدام الوسائل التقنية (Presentational user of technology)، ويشجّع على التفاعل في العملية التعليمية التعلميّة (Interactive user of technology)،ويشجّع على توليد المعرفة والإبداع ( generative user of technology) ، ويسعى لتطوير قابلية المتعلم للتعليم الذاتي .
ومن الوسائل النافعة مسرحة البلاغة، وهي أداة تربوية تعين على إحداث تفاعل الفرد مع عناصر البيئة ، لغرض التعلم وإنماء الشخصية والسلوك ، وتقريب المفاهيم ، وتشجع على إدراك معاني الأشياء لمساعدتهم في حل بعض المشكلات . وتنشيط القدرات العقلية ، وتحسين الموهبة الإبداعية لدى الطلاب .
وهذا يدعو لتضافر جهود علماء اللغة والنفس والاجتماع والتربية والرياضيات ومهندسي الحاسوب وغيرهم في الرقي بتعليم البلاغة.
وهنا ستكون البلاغة منطلقا لتنمية مهارات اللغة، فإنَّ ” قواعد اللغة وضوابط الرّسم وقوانين البلاغة ليست مهارات مستقلة يسعى المتعلّم إلى إتقانها لذاتها، وإنما لتصحَّ مهاراتُه اللغوية الأساسية، التي هي الاستماع ،والقراءة ،والكلام ،والكتابة” .
ويهتم المنحى الوظيفي بتنمية مهارات اللغة العربية،حيث يقصد إلى ” تدريسها بطريقة تؤدّي إلى إتقان المهارات اللغوية الأربع: فهم اللّغة مسموعة، وفهمها مقروءة، والتعبير الشفوي.. والتعبير الكتابي، فوظيفة اللغة، أية لغة هي القدرة على الفهم والإفهام ،ولإتقان هذه المهارات الأربع لابد من اعتبار قواعد اللغة (قواعد تركيب الكلمة، وقواعد تركيب الجملة، وقواعد الكتابة) وسائل لإتقان المهارات الأربع السابقة لا غايات في حدّ ذاتها” .
ونحن بحاجة إلى أن يتمثل الطلاب البيئة التي هي سياق النصوص، فاللغة هي وعاء الثقافة، والثقافة تنشأ وتتطور وتتأرخ في المجتمع، وليس من اليسير تعلم لغة ما دون التعرّض لثقافة مجتمعها، وقيمه واتجاهاته وأنماط معيشته.
فأي كتاب يؤلَّف لتعليم العربية لن يكون مجرد وسيلة لتنمية مهاراتـها أو إتقان استعمالـها وإنما هو ناقل لتاريخ أمة عريقة التراث، ومعبر عن حضارة شعب متميز الملامح، ترتبط لغته بأعز ما لديه وأغلى ما عنده إنـها لسان عقيدته ولغة كتابه المبين.”
ومن هنا نلاحظ قيمة البلاغة وعلاقتها بالسياقات الاجتماعية، فمن الأساسيات التي يحتاجها متعلم العربية غير الناطق بها في البرامج المعدَّة لهذا الغرض، “تحديد بعض المواقف التي يُتوقع أن يمر بها الدارس من غير الناطقين بالعربية في تعامله اليومي، وفي المواقف العامة الأخرى التي يواجهها أثناء التعامل مع الناطقين باللغة العربية. ويقصد بالمواقف؛ تلك التي يشترك فيها معظم الدارسين الأجانب عند زيارتهم للبلدان العربية أو اتصالهم بثقافتها”. 1 من فبراير 2023

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: