أخر الأخبار

البلاغة ممارسة تواصلية

إشارات الملاعب دراسة سيميائية - مشروع بلاغي جديد

دكتور أيمن أبومصطفى

شهدت الدراسات والأبحاث البلاغية في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا بالاستعمال السياقي الاجتماعي للغة، وفي سلسلتنا المباركة التي تعهدتها جريدة الديوان المباركة “البلاغة ممارسة تواصلية” نحاول فتق أبواب جديدة للبحث البلاغي، حيث نربط البلاغة بالحياة، وهو ما يمكن أن يسمى اختصارا بالنص المشاهد، وماله من علاقة جدلية مع البلاغة التي اعتدنا أن نراها في النص المقروء أو المنطوق.

فالاختيار لإشارة ما ليس اعتباطيا، هو يحيلنا إلى أن تحديد اما تحمله من دلالات وخلفيات معينة يستند المشير والمشار إليه، فالإشارة قد لا تتعدى ثانية أو ثانيتين، لكنها تعبر عن نفس المشير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا التعبير يأخذ أشكالا وتراكيب متباينة، وهذا التباين والاختلاف في التأويلات يبعث في النفس فضولا لدراستها سيميائيا.

فكرة القدم رياضة عالمية، تعتمد على لغة الإشارة، وهي وسيلة التواصل داخل وخارج الملعب، وبذلك تحمل تلك الإشارة رسائل دلالية، فتُعرف معاني ودلالات كثيرة ببعض الإشارات؛ فيعتمد الحكام على إشارات يمكن فهمها من الجميع للإعلان عن القرار المتخذ، كما يعبر اللاعبون عن فرحتهم بعد تسجيل الهدف بطريقتهم الخاصة التي باتت”إتيكيتات” يُعرفون بها، وتتفاعل الجماهير العاشقة  أو الغاضبة باستخدامها للإشارة.

فاللاعب في الملعب يكون حريصا على أن يتواصل بزملائه من خلال لغة الإشارة، وكذلك المدرب يتواصل مع اللاعبين باللغة نفسها، ومن هنا كانت الإشارة تحمل أبعادا سيميائية، نحاول أن نقف عليها في هذا المقال.

تقبيل الحذاء، وخلع الحذاء، وتقبيل الفانلة، وخلعها، والبصاق، والتصفيق، والتحفيز، والتهدئة، والاحتفال، والانكسار، كل ذلك يقع بالإشارة، وتكون اللغة فيه هي الإشارة.

والسِّيمَاء والسِّيمِيَاء لفظان مُترادفان بمعنى العلامة والإشارة الدالة على معنى محدد عند فاعلها، فالسيميائية هي علم دراسة العلامات.

وقد عرَّفها فرديناند دوسوسير بأنها علم يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعيَّة ( ). كما تهدف إلي الإبلاغ والتواصل من خلال ربط الدليل بالمدلول والوظيفة القصدية.

ولذا فإننا نلجأ إليها في تحليل الخطاب عامة، والخطاب الرياضي خاصة، لما تقوم فيه العلامات بدور كبير في التواصل الرياضي.

فنحن في الخطاب الرياضي نقف على سيمياء اللون، وسيمياء الإشارة، وسيمياء الحزن، وسيمياء الفرح، وسيمياء الجسد، وسيمياء الكلام، وسيمياء الصمت، إنها مجالات مفتوحة أمام الباحثين لإثراء الدراسات البلاغية، فهل من مشمر؟!

الأبعاد السيميائية للإشارة في الملاعب.

الإشارة ذات أبعاد سيميائية كما ذكرنا آنفا، فحركة اليد المفتوحة التي يقوم بها محمد صلاح بعد إحرازه للأهداف تحمل أبعادا نفسية تكشف عن سعادته التي يوزعها على الجماهير المحيطة به، فقد تُستخدم الإشارة لتكون ضاغطا نفسيا للتأثير في الآخر، من خلال الإشارة بالنصر، أو التحقير للآخر، وربما كانت الإشارة سببا في العنف، كما حدث في مباراة النادي الأهلي المصري مع نادي بيرميدز في الدوري المصري 2023.

كما أن الإشارة تقوم بضواغط استفزازية سواء للاعبين أو الجماهير، فالإشارة التي يفعهلها بعض اللاعبين تثير غضب الجماهير، وذلك مثل إشارة رمضان صبحي في تقديمه لنادي بيراميدز، والتي اعتبرتها الجماهير الأهلاوية إشارة تهدف لاستفزازهم.

وكذلك تأتي الإشارة بوصفها أداة للتعبير عن الغضب، فإشارة حسام حسن وإبراهيم حسن للجماهير الأهلاوية برفع الحذاء عقب المباراة الشهيرة والتي انتهت بفوز الأهلي بستة أهداف مقابل هدف واحد للزمالك، كانت وسيلة لإغضاب الجماهير الأهلاوية.

ونظرا لما تحمله الإشارة من دلالات فإن لاعبا مل محمد بركات يرفض الاحتفال بأهدافه ضد فريقه السابق نادي الإسماعيلي.

وتأتي إشارة النجم البرازيلي رونالدو إلى إذنيه بعد أن تمكن من تسجيل الأهداف عقب انقطاع طويل عن التسجيل ؛ تأتي الإشارة لتحمل رسالة إلى الجماهير التي طالما انتقدته لتشير إشارته لأذنه بأنه لا يسمع الانتقادات.

وتكون الفانلة إشارة سيميائية تحمل أبعادا دلالية، حيث يخلها اللاعب فتحمل دلالات الغضب أحيانا، وتحمل دلالات السعادة أحيانا أخرى.

ولو أن لغة الإشارة لا تحمل دلالات ما تفاعلت معها الجماهير غضبا أو فرحا، ففي أثناء احتفال فريق مانشستر سيتي بإحراز لقب كأس الاتحاد الإنجليزي، كشفت كاميرات “بي بي سي” مدرب مانشستر يونايتد الإنجليزي، وهو يقوم بحركة أثارت اشمئزاز الجماهير.

حيث ظهر المدرب الهولندي إريك تين هاغ وهو يمشي على أرض الملعب بعد صافرة النهاية،وقد أخرج علكة من فمه ورماها على أرض الملعب.

وتأتي الإشارة لتشكل سلسلة من التفسيرات التي لاتنفك عن السياق بوجه عام، فكل واحد يفسر الإشارة حسب ميوله وثقافته، وقد احتفل صلاح بعد فوز فريقه ليفربول على واتفورد بثلاثية نظيفة في الدوري الإنجليزي بطريقة مختلفة عما اعتاده وعرفه بها الجمهور، وكانت ملفتة للنظر ولاقت تباينًا في الآراء والتفسيرات، حيث توجه صلاح للجمهور وشبك يديه وأخرج لسانه وتعد هذه الإشارة جديدة، مما جعلها مثيرة للتساؤلات ومحاولة فك شفراتها وأبعادها الدلالية والسيميائية.

وبذلك نستطيع أن نقول إن للإشارة وظائف لامتناهية تنتجها الأسيقة المحيطة بها، ولعل من أهم تلك الوظائف الوظيفة الإيحائية والوظيفة الإغرائية والوظيفة التأثيرية والوظيفة الانفعالية والوظيفة الإشهارية…إلخ.

ومن هنا نقترح بأن تكون هناك دراسات تقوم على رصد إشارات الملاعب لدراستها سيميائيا.

فمدلولات هذه الإشارات داخل الملاعب قد يتجاوز بعدها التقريري المباشر إلى أبعاد مجازية وإشعارية بفعل ما يلحقها من انزياح دلالي فتدخل في لعبة تعدد الإيحاءات الرمزية المقاصدية الوظيفية التي يكون في محاولة استكشاف واستنطاق وتأويل علاماتها متعة بحثية رائعة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: