الأستاذ الدكتور رجب إبراهيم أحمد يكتب:
بلاغة الجمهور والخطاب الإعلامي
بقلم: الأستاذ الدكتور رجب إبراهيم أحمد
الأستاذ بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه
الخطاب في أي مجتمع هو الممارسة الإجتماعية، وهو مجمل القول والفعل، ويقوم الخطاب الإعلامي بنقل هذه الممارسة الاجتماعية إلى الجمهور عن طريق وسائل الإعلام،ومما لا شك فيه أن معظم الخطاب الإعلامي له تحيزاته سواءً كانت معلنة أو غير معلنة، لذلك فمن الأفضل تحليل عمليات الاتصال والإعلام من حيث التكوين، والملكية، ونظم العمل،وطبيعة الجمهور،والنظام السياسي، وما تنتجه من خطابات للتعرف على مدى قدرتها ودقتها في نقل الواقع،وما الذي تخفيه أو تظهره،ولمصلحة من تعمل، وما هي استراتيجياتها.
والخطاب الإعلامي خطاب تتآزر فيه كثير من الخطابات السياسية والإخبارية،والرياضية،والاقتصادية،وغيرها.وهو حطاب موجه إلى جمهور يختلف ويتباين نظرا لاختلاف البيئات والثقافات والأعمار والاهتمامات.
ولا شك أن هذا الخطاب قد تطور في الآونة الأخيرة في فترة زمنية محدودة،تجاوز فيها مراحل كثيرة ختى بلغ الآفاق،وتنوعت وسائله بين صحيفة،وإذاعة،وتلفاز،وإنترنت،وما يتصل به من تطبيقات التواصل الاجتماعي،وهو-بقدر كبير-يشكل الوعي الجماهيري،ويحدد في كثير من الأوقات استجابته،كما تتنوع وسائل التأثير والإقناع في الخطاب الإعلامي،منها”الكلمة المسموعة في الإذاعات والمحاضرات والندوات والخطب السياسية،والصورة الثابتة،والكلمة المكتوبة في الكتب والمجلات والنشريات والملصقات،والصورة السمعية والبصرية في التلفزة”( )
فهو يعتمد في لغته على التعبير بالصورة بأشكالها المختلفة تارة،وبالكلمة المكتوبة والمسموعة تارة أخرى،وهذا “يجعل لخطاب الإعلامي نسقا سيميائيا قابلا للقراءة والتأويل،عابرا لتخصصات ومعارف عديدة،وموظفا ومستثمرا إياها حسب ما تقتضيه الأوضاع”( ). ويحاول الخطاب الإعلامي التأثير في الجمهور،وإعادة تشكيل وعيه،ومحاولة رسم رؤاه المستقبلية من خلال وسائله،ووسائط التقنية المستعملة والمتاحة،فهو شكل تواصلي بين اللغة والمعلومة،ومحتواها الثقافي وآليات توصيلها إلى الجمهور.كل ذلك في مجالات مختلفة تخص الجماهير،وتسعى إلى توصيل غرض معين،كأن يكسب ثقة الجمهور،أو يغير موقفه،أو حتى يضمن حياديته تجاه قضية من القضايا.
ومن أجل ذلك” أصبجت وسائل الإعلام،أو التواصل الجماهيري توظف بلاغة الإقناع توظيفا واضحا؛للوصول إلى جذب أكبر عدد من المستقبِلين”( )
ويقدم الدكتور عامر مصباح تعريفا لمفهوم الإقناع في الخطاب الإعلامي بوصفه أحد الركائز التي يتم من خلالها التواصل مع الجمهور بأنه:”عملية إيصال الأفكار والاتجاهات والقيم والمعلومات،إما إيحاء أو تصريحا،عبر مراحل معينة،في ظل حضور شروط موضوعية وذاتية مساعدة،وعن طريق عملية الاتصال.ويرتبط بمفهوم الإقناع مفهوم آخر وهو التأثير،ويكاد هذان المفهومان يكونان متلازمين.فظاهر لفظ التأثير يشير إلى عملية تبدأ من المصدر لتصل إلى المستقبِل مع توفر إرادة لذلك،في حين ان مصطلح التاثير يشير إلى الحالة التي يكون عليها الفرد بعد التعرض لعملية الإقناع،واستقبال الرسائل وتفاعله معها،فهو نتيجة للتأثير”( ) .ويتشكل الإقناع من العناصر التالية:
1- المرسل:وهو المؤسسة الإعلامية التي تريد أن تؤثر في معلومات المتلقين واتجاهاتهم ومشاعرهم ومعتقداتهم.
2- الرسالة الإقناعية:وهي مجموعة الأفكار والأحاسيس والقضايا والخبرات التي تكون في شكل نص إخباري أو حوار صحفي،أو مقال،وهي التي يريد المرسل نقلها إلى المتلقي لإقناعه بها،والتأثير عليه طبقا لها.
3- المتلقي:وهو الجمهور المستهدف لتلقي رسائل التأثير.
4- الوسيط:وهو الوسيلة الإقناعية الناقلة للرسالة الإقناعية.( )
5- السياق: وهو مجموعة الظروف التي تلقى فيها الرسالة في زمنها.
ولا يمكن للخطاب الإعلامي أن يحقق نجاحه إلا بعد التأثير في الجمهور،والتغيير في آرائه ومعتقداته،ثم تحويل هذا النجاح في تغيير الأراء إلى حقائق نظرية وعملية.وتعد البلاغة الجديدة “هي الجانب الحجاجي التداولي من البلاغة القديمة من خلال تلحيم أطراف الخطاب الأساسية،المخاطِب والمخاطَب،وإبراز البعد التأثيري والإقناعي للغة،والذي لا يظهر في البنية الصورية لنسقها الداخلي فقط،وإنما في القيم الخطابية المشحونة بواسطة الاستعارة والإطناب والإيجاز…وغيرها من الأشكال البلاغية التي تمارس فعاليتها الاجتماعية ووظيفتها الإقناعية التي تدفع إلى القيام بالفعل”( ).
ويحدد الدكتور محمد سالم الأمين بعضا من الوسائل والإمكانات المستخدمة بهدف الوصول إلى المخاطب،والتأثير فيه”ومن تلك الوسائل ما هو فكري كالحجة والقياس(التمثيل) والاستدلال والبرهان،وفيها ما هو عاطفي كتحريك العواطف والطبائع والأحاسيس والتحريض،ومنها ما هو لغوي كالوضوح والدقة والصور البلاغية بكل أنواعها”( ).
والخطاب الإعلامي في مجمله حطاب إقناعي إبلاغي يهدف إلى التأثير في الجمهور كما هو الحال في الخطب السياسية والبرامج الترفيهية والثقافية والأدبية في التلفاز والصحف،ولكن وعلى الرغم من أنها لغة تقريرية إخبارية لكنها لا تخلو من مجاز أو بلاغة،فقد خرجت من النمطية في معالجة الأحبار والأحداث إلى التنويع الأسلوبي والبلاغي والتجديد المعجمي.”إنها لغة إبداعية خلاقة،كثيرة النسل تمدنا رسائلها الثقيلة والخفيفة يوميا بالعشرات من الألفاظ والعبارات والصيغ والأساليب الجديدة،فهي تنحت مادتها من مصادر مختلفة:من المثقفين،والساسة،والأكاديمين،ورجال الاقتصاد،والاجتماع،والأدباء،ونصيب لا يستهان به من لغة الشارع التي تهذبها فتصبح صالحة للتداول:حيث تعد اللغة الإعلامية همزة وصل وجسر ممتد بين الفئة الأولى، والفئة الثانية،تعمل على تبسيط ما تنقله من هؤلاء،وتهذِّب ما تنقله من أولئك،على اعتبار أن الخطاب الإعلامي يعمل على نقل الخبر من مصادره الأولى في لغته المتخصصة ثم يحولها إلى لغة قابلة للفهم من لدن المتلقي بمختلف مستوياته التعليمية والثقافية”( ).