الأدب التركماني خصائصه وملامحه

الأدب في تركمانستان " الجزء الثاني "

 

أ.د/ دينا محمد عبده
تعتبر تركمانستان إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق. أما اللغة الأصلية التي يتحدث بها السكان هي لغة قبائل الأغوز التي استقرت في منطقة بحر أرال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. تتميز اللغة بقربها الشديد من اللغتين التركية والأوزبكية، بالإضافة إلي احتوائها علي العديد من المفردات العربية والفارسية التي تم استبدالها في الحقبة السوفيتية بالكلمات التركمانية. ولكن توقفت تلك العملية بعد استقلال تركمانستان عن الاتحاد السوفيتي. يتحدث اللغة التركمانية أكثر من 2.5 مليون نسمة، هم في الأساس سكان دولة تركمانستان، بالإضافة إلي حوالي 600 ألف أخرين في المناطق الشمالية الغربية من إيران و350 ألف في مناطق من أفغانستان و 200 ألف في العراق وحوالي 120 ألف في أوزبكستان وتركيا وكذلك في طاجيكستان وكازاخستان وروسيا، ليبلغ متحدثي تلك اللغة 4 مليون نسمة يتحدثون 30 لهجة من اللغة التركمانية.
تمثل بدايات القرن العشرين مرحلة انتقالية في تاريخ الأدب التركماني، حيث ظهور موضوعات وتيمات جديدة في الأدب بالإضافة إلي ظهور موضوعات خاصة بالدعوة إلي الأفكار التنويرية ونقد بعض رجال الدين وأساليب الحياة القديمة. تجلت أيضا الأفكار القومية لتيار التجديدية التي انتشرت بين شعوب الترك في إبداع بعض الأدباء مثل المولي دوردة وبشارة محمد كليش الذي توفي عام 1922م.
تجلت الفترة السوفيتية في إبداع شعراء تركمانستان الشعبيين، حيث حمل شعراء وأدباء تركمانستان السوفيت الأوائل موروث تيار التجديدية الذي رافق الصور والأفكار والوقائع السوفيتية الجديدة داخل العملية الأدبية في ذلك الوقت.
ظهرت الأعمال الأولي والأغاني المفعمة بالوطنية عن ثورة أكتوبر ولينين وستالين وإنجازات الجيش الأحمر لدي الشعراء بيرم وكير ملا، كما ظهر شعراء أخرون عملوا علي تطوير واستكمال إبداعهم مثل دوردة كليتش وأتا صالح الذين تغنوا بنجاحات البناء الاشتراكي وانتصارات البروليتاريا العالمية والدستور الستاليني وصداقة شعوب الاتحاد السوفيتي السابق والمزارع الجماعية (الكلخوزات) والنساء الأحرار والطيارين الأبطال والانتصار علي الأعداء حيث أصبحت تلك الموضوعات هي الأساس في إبداع الكثير من الشعراء والأدباء التركمان البارزين في الفترة السوفيتية – هلا وتيور وأوراز تشولاك. حصل العديد منهم علي ميداليات وأوسمة من الحكومة السوفيتية.
أثيرت في القرن العشرين مسألة تحويل الكتابة التركمانية التي تشكلت في السابق على أساس الأبجدية العربية، إلى أنواع أخرى من الحروف الهجائية عدة مرات. في عام 1928 بعد مؤتمر الأتراك في باكو عام 1926، تحولت الكتابة التركمانية إلى اللاتينية وظلت موجودة بهذا الشكل حتى عام 1940، كما هو الحال في جميع الجمهوريات التركية في الاتحاد السوفيتي، تحولت الكتابة بعد ذلك إلى السيريلية مع إضافة بعض الحروف الإضافية. في عام 1996 في تركمانستان عادوا مرة أخرى إلى الأبجدية اللاتينية، أما خارج تركمانستان استمروا في استخدام الأبجدية العربية عند الكتابة.
تغني شاعر تركمانستان السوفيتي الأول المولي مراد (1879 – 1930) بالثورة الاشتراكية منذ بداية اندلاعها بلغة شعبية بسيطة مفهومة للجميع، أما أديب تركمانستان السوفيتي الأول أجاخان دورديف فقد اهتم بقضايا تحرير المرأة حيث كتب العديد من الروايات مثل (في بحر الأحلام) و (موجة من الصدمة) و (قربان) و (جميلة في مخالب النسر الذهبي) والتي تحدث فيها حول المشاكل التي تقف أمام حرية المرأة في الشرق.
انعكست رومانتيكية البناء الاشتراكي أيضًا في أعمال الكتاب التركمان الآخرين مثل دوردي أجاماميدوف (مواليد 1904م) الذي كتب القصائد والمسرحيات عن المزارع الجماعية الكلخوزات وكذلك ابن ثورة أكتوبر بيكي سيتاكوف (مواليد 1914م) الذي كتب القصائد الفكاهية ، وديوان شعري تحت اسم (الشباب) ، وكذلك مجموعة من القصص التي تمتدح النظام الجديد. أما توفشان إسينوفا أول كاتبة مسرحية وشاعرة تركمانية (مواليد 1915) فقد كتبت العديد من المسرحيات عن حياة المزارع الجماعية مثل مسرحية (ابنة المليونير) التي لاقت نجاحا كبيرا.

بيردي كرباباييف
بيردي كرباباييف

بيردي كرباباييف
يعتبر بيردي كرباباييف هو الشخصية الأكثر لفتا للانتباه بين الأدباء التركمان السوفييت وهو أكاديمي في أكاديمية العلوم في التركمان الاشتراكية السوفيتية و بطل العمل الاشتراكي (مواليد 1894م). بدأ النشر ككاتب ساخر في العشرينات من القرن الماضي. في قصائده “عالم العذراء” (1927م) والمستعبدون أو ضحية آدات (1928م) دعا إلى إرساء المعايير الأخلاقية السوفيتية والتخلص من بقايا الماضي. بعد صدور أول رواية تاريخية ثورية تركمانية له بعنوان “الخطوة الحاسمة” (1947م) حاز على جائزة الدولة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (1948م). وفي خلال الحرب الوطنية العظمى كتب قصة (قربان دوردي) (1942م) ، وقصيدة (أيلار) (1943) ، ومسرحيات (الأشقاء) (1943م) و(مختومكولي) (1943م). كان رئيس اتحاد كتاب تركمانستان في 1942م – 1950م.
بعد انتهاء الحرب، نُشرت أعمال كرباباييف عن حياة القري والمزرارع الجماعية ، حيث قدم رواية قصيرة بعنوان (إيسولتان من بلد الذهب الأبيض) (1949م) التي حاز عليها جائزة الدولة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية 1951م) ، كما كتب رواية (نبيت داج) (1957م) حول حياة عمال النفط ، كما قدم الرواية التاريخية (المولود بأعجوبة) (1965م) عن الثوري التركماني ك. أتاباييف. قام كرباباييف بترجمة الكثير من أعمال الشعراء والكتاب الروس والسوفيت إلى اللغة التركمانية.
يمكن ذكر العديد من أسماء الشعراء والأدباء الذين ازدهرت أعمالهم الأدبية خلال سنوات الاتحاد السوفيتي مثل كمال إيشانوف ، ساريخانوف ، آتا كوشوتوف ، ميريد ، كليتشيف ، بوما نور-بيرديف ، شاري كولييف ، مونتون دزهانمورادوف ، أحمد أخوندوف، جورنلي، سيدوف وخيمارييف وغيرهم. يمكن بشكل عام القول أن جاء تطور الأدب التركماني في الفترة 1920م – 1990م في إطار الثقافة السوفيتية وفي ظل مبادئ تيار الواقعية الاشتراكية مع تعديلها لتناسب الخصائص التركمانية.
تشمل الإنجازات التي لا شك فيها في الحقبة السوفيتية أعمال بحثية مهمة قام بها المؤرخون واللغويون السوفيت الذين اكتشفوا بعض المصادر التي صدرت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر والتي تعتبر أقدم الأعمال الأدبية باللغة التركمانية. تعتبر هذه المصادر ذات قيمة خاصة، لأن حتى بداية القرن العشرين يعتقد الأتراك أن التركمان ليس لديهم آثار أدبية مكتوبة على الإطلاق.

صابر مراد نيازوف

صابر مراد نيازوف
بدأت في تسعينيات القرن الماضي بعد إعلان استقلال تركمانستان عن الاتحاد السوفيتي الاتجاهات الأدبية الحديثة في الظهور والتي عكست الأوضاع السياسية والاجتماعية الجديدة في البلاد. اكتسبت الأعمال الأدبية لصابرمراد نيازوف (مواليد 1940) رئيس جمهورية تركمانستان المستقلة مكانة خاصة، فقد قام بتأليف كتاب (روهناما) التاريخي والفلسفي المؤلف من مجلدين، وكذلك مجموعة من الدواوين الشعرية بما في ذلك (ربيع روحانيتي) و(أعزائي) (2005م). احتلت تلك الأعمال مكانة كبيرة لدي الشعب التركماني. تحوي أعماله الكثير عن العالم الروحي للتركمان وعن كيف يجب أن يكون حتى لا تنقطع العلاقة بينه وبين أسلافه. عرضت أعمال نيازوف في مسرح أ.س.بوشكين الدرامي الروسي. تضمن الجزء النثري الأول من مجموعة نيازوف الشعرية (أعزائي) سلسلة من القصص عن الطفولة والشباب ودروس وانطباعات الحياة الأولى أما الجزء الثاني هو عبارة عن قصائد شعرية يتغنى فيها بوطنه وشعبه وتاريخه.
حظيت أعمال نيازوف الأدبية بالاهتمام في المقام الأول كظاهرة أيديولوجية تهدف إلى توحيد الشعب التركماني وتعبئته في الوضع التاريخي المتغير الذي تطور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. من الغريب أن نلاحظ أن الشكل الأدبي للرسالة الروحية في هذه الحالة يعمل كأداة لحشد الأمة حيث لعبت أعماله الأدبية دورا مؤثرا في الحياة السياسية.
تجري الجمهورية التركمانية مسابقة سنوية للرموز الأدبية بعنوان “العصر الذهبي للتركمان” والتي يعمل عليها ويرعاها اتحاد الكتاب.
بشكل عام يكشف الأدب التركماني عن القدرة على الإدراك المرن والحساس للنماذج الثقافية للبلدان والثقافات المجاورة. يتجلى النزوع إلى الارتجال الذي تطور بشكل كبير بين الشعوب التركية ، في أعمال الشعراء الشعبيين وفي أعمال الكتاب والشعراء المحترفين الذين استوعبوا الأفكار والنماذج الثقافية لجيلهم وزمنهم التاريخي وترجموها في شكل فني عظيم.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: