إضاءة حول أدب الحرب

رؤى مسعود جوني – سورية
أن الأدب انعكاس للمجتمع هذه حقيقة تم الاعتراف بها على نطاق واسع، فالأدب يعبر عن المجتمع بكل قيمه الحسنة والسيئة، وهو ذو وظيفة تصحيحية، يعكس علل المجتمع بهدف جعله يدرك أخطائه ويصلحها فكيف إن كان هذا الواقع هو الحرب؟
فآثار الحروب تشمل جميع مناحي الحياة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وثقافيا ومن غير الأدب يعكس هذا الواقع والتغير؟ ولطالما نظمت أشعارا وكتبت مؤلفات عبر التاريخ من قبل شعراء ومبدعين كل حسب موقعه ورؤيته للحدث، ليصبح أدب الحرب نتيجة لذلك مرآة لحروب وظروف عصيبة مرت بسبب تلك الحروب، وقد ترك في هذا المجال كتب عظيمة تعتبر بصمة في عالم الأدب منها كتاب (الحرب والسلام ) وهي رواية من إبداع الأديب الروسي ليو تولستوي نشرت لأول مرة بين سنتي 1865 و1869 على شكل سلسلة في مجلة المراسل الروسي، قبل أن يتم نشرها كرواية كاملة، تدور أحداثها في بدايات القرن إل 19، إبان الاجتياح الفرنسي لروسيا بقيادة نابليون بونابرت، والتغيرات التي لحقت بالطبقة الأرستقراطية.
أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد تغير العالم لعقود، كانت الحرب العالمية الأولى حدثًا كارثيًا ليس فقط تاريخيا، ولكن أيضًا ادبيا، وأدت وحشية الحرب إلى تدفق الأدبيات المتعلقة بسلوكها وتأثيراتها، والتي بدأت مع شعراء الحرب أنفسهم، وامتدت خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وعاودت الظهور بشكل دوري طوال القرن العشرين، وتم تدوينها في صفحات الأعمال المقتبسة للأدب البريطاني في القرن العشرين، كأدب الحرب “التقليدي” في شعر سيغفريد ساسون، وويلفريد أوي… وتأثرت بها روايات الحداثيين ك ديفيد هربرت لورانس، فيرجينيا وولف …وغيرهم و في تقييم هذه الأعمال، وجد أن الحرب ظلت موضوعًا مشتركًا في حياة الشخصيات، سواء كانت حقيقية أو خيالية، فقد كانت الحرب العالمية الأولى مصدر الرعب والمعاناة للكتاب وأدت إلى تحول ثقافي وفلسفي ضخم في إنجلترا انعكس على أدب الأمة من قبل المؤلفين والشعراء، وخاصة أولئك الذين حاربوا في ارض المعركة، وفي أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي شهدت بريطانيا ازدهارًا في نشر أدب الحرب.
بعد تلك المرحلة أحدثت الحرب العالمية الثانية تغييرا في نظرة الناس والمفكرين والفنانين على حد سواء، فقد غيرت العديد من طرق التفكير القديمة وقدمت لنا عروض جديدة، فظهر التفكير في شكل الرواية وربط العلاقة بين الخيال والماضي وبين الحاضر نفسه في الأعمال المنتجة، فظهرت حكايات ملهمة عن الشجاعة والثقة بالنفس والتفاؤل في مواجهة المحن، وقد فصلت فترة ما بعد الحرب “الحداثة” عن “ما بعد الحداثة” في الأدب، وبلغ الأدب نضجا جديدا وتنوعا ثريا بعد الحرب العالمية الثانية، فظهر جيلا جديدا بطابعه العرقي والإقليمي والاجتماعي المختلف وكان من بين الكتاب أبناء مهاجرين وأفارقة، بعد أجيال من العبودية؛ بعد ذلك صعدت الحركة النسائية، على الرغم من أن المناخ الاجتماعي في سنوات ما بعد الحرب كان محافظًا وملتزمًا.
كما كانت هناك رغبة في تجديد الهيبة والاحترام الوطنيين وكان ما سبق واضحًا في أعمال الكثير من الشعراء والمؤلفين الرائعين الذين يعتبر بأنهم مدارس أدبية في عصرنا هذا: مثل آن فرانك التي كتبت( مذكرات فتاة صغيرة)..، وجورج أورويل و رائعتيه ( 1984) و( مزرعة الحيوان) .. اما أشهر من كتب عن الحرب فهو أرنست همنغواي الذي تواجد في فترة الحربين العالميتين في أوروبا كجندي أميركي فكتب تحفتيه (وداعا أيها السلاح) و(ولمن تقرع الأجراس)..وغيرها و كنب صمويل بيكيت مؤلفه الشهير (في انتظار غودو)..والقائمة لا تنتهي قائمة الأعمال، فقد كتب أيضا عن الحرب الأديب الروسي يوري بونداريف رواية (الثلج الحار) التي نشرت عام 1969 متناولًا أحداث معركة ستالينغراد الخالدة في الحرب العالمية الثانية معبرا عن وقائعها بشكل غير مألوف بحكم معايشته للواقع شخصيا كضابط مدفعية.
كما كتب الكاتب الألماني إريك ماريا ريمارك كتاب( كل شيء هادئ على الجبهة ) عن الحرب العالمية الأولى عام 1930و تمت ترجمته إلى 28 لغة
استند كتاب ريمارك جزئيًا على رواية هنري باربوس عام 1916 )تحت النار( كان باربوس صحفيًا فرنسيًا و حامل نقالة على الخطوط الأمامية، وكان كتابه مؤثرًا جدًا في ذلك الوقت
استثمرعدد من المؤلفين بعض الشخصيات الأدبية الشعبية الموجودة مسبقًا، في مغامرات مرتبطة بالحرب العالمية الأولى، أثناء الحرب أو بعدها مباشرة من بينهم آرثر كونان دويل في كتاب(قوسه الأخير 1917) وهي ذكريات الشخصية الخيالية شرلوك هولمز
و أعيد استخدام الشخصية الخيالية التي اخترعها ادغار رايس بوريس طرزان في عدة أعمال في تلك الحقبة أيضا..
يعد العمل غير الخيالي لجون هيرسي “هيروشيما” عملًا صحفيًا مهمًا للغاية أعطى لمسة إنسانية لمأساة ساحقة.
توجد كتب تشرشل أو مذكرات جنرالات مختلفة في أشكال شهادات الروايات، و توجد العديد من المذكرات وبعضها مشكوك فيه لجنود عاديين مؤرخون مثل أنتوني بيفور ومارتن جيلبرت وديفيد جلانتز وصحفي مثل ويليام إل شيرير قد ساعدونا بشكل كبير في تنوير أعمالهم.
الحرب البوسنية المرعبة التي جرت أطوارها بين سنتي 1992 و1995، يستعيدها الكاتب البوسني سلافيدين أفيدتش في كتاب مخاوفي السبعة الذي نشر 2009
أما أشهر ما وصف الحرب في أفغانستان فقد كانت رواية (عداء الطائرة الورقية) وهي من أكثر الروايات مبيعًا بعد تصدرها لقائمة “نيويورك تايمز” لأكثر من سنتين بيع منها 7 ملايين نسخة في الولايات المتحدة الأميركية
كتبها الكاتب الأميركي ذو الأصل الأفغاني خالد الحسيني ونشرت عام 200وله أعمال أخرى اشتهرت ك (إلف شمس مشرقة)، (ورددت الجبال الصدى).برز
أما عربيا فقد كانت ابرز المؤلفات عن الحرب التي شكلت منعطفا عربيا، وتركت آثارا لاتزال قائمة حتى الآن والتي جاءت نتيجة الصراع الأبرز في منطقة الشرق الأوسط الصراع العربي الإسرائيلي، فقد كتبت شلالات من الأشعار والقصائد و أنتجت عشرات الأفلام والمسلسلات ومن أهم الروايات التي كتبت رواية الأديب إحسان عبد القدوس( الرصاصة لا تزال في جيبي ) 1974 والتي تحولت لاحقا الى فيلم سينمائي.
ورواية ( موسم العنف الجميل) للكاتب فؤاد قنديل وتعبر عن الحالة العامة والنفسية لجنود محاصرين ابان الحرب.
و لا ننسى أن نذكر رائعة الكاتب السوري المميز عبد السلام العجيلي التي تناولت تلك الحقبة أيضا ( أزاهير تشرين المدماة)
قد يكون تناول موضوع أدب الحرب موضوعا شائكا، فهو يمتد لفترات تاريخية طويلة، ويعكس رؤى وأفكارا متضاربة عن ذات الحدث في كثير من الأحيان، فغالبا ما نرى عددا من الكتاب يتناولون الحدث نفسه بوجهات نظر مختلفة، لكن يبقى باب الأدب مفتوحا على مصراعيه للجميع، وأتمنى أن أكون أن أضأت زاوية ولو صغيرة حول هذا الأدب المتشعب.