إدريس الزياتي يكتب: في رحاب الشطيبي 37
في رحاب الشطيبي 37
إدريس الزياتي
كل السيارات التي تشتغل بنقل الركاب أو البضائع ستمر حتما عبر الزاوية ، لكن ادريس لا يريد الذهاب إلا مع خاله عبد العزيز الجار و القريب فهو خال والده وإلا فعبد العزيز االبعيد فإنه ابن البلدة كذلك ، فلا يلتفت إلا إذا رأى سيارة من نوع Pick up بوجو بيضاء أو أخرى من نوع نيسان بلونها الاحمر القاني . فتلك وصية أمه عليه أن يحفظها ولا يخالف امر ها و تلكما فقط هما السيارتان المملوكتان لأهل البلدة ، فلا يجوز أخلاقيا ترك أهل البلد ة والذهاب مع البراني.
فابن البلد هو الذي تحتاجه ساعة الضيق والحاجة ، تلك ثقافة توارثها كل الناس صغيرهم والكبير غنيهم والفقير، فهم لحمة واحدة ، كأن فكرة القبيلة حاضرة بقوة في الموروث الشعبي ، إلا زمن الدعاية الإنتخابية حيث تنفصم العرى وتتضارب المصالح والأهداف إذ تبدأ الحسابات السياسوية تطفو على السطح ، وفي النقل والسفر هناك مبدأ فحواه أن القريب أولى دوما من البعيد . إلا عند غيابه فتكون الحجة قائمة على المتغيب .
قضيا ردحا من الزمن ينتظران بزوغ شمس أحدهما ، لكن دون جدوى مرت أكثر من نصف ساعة وكلما انتهى الى سمعهما ضجيج محرك التفتا لعله يكون القادم هو المنتظر . بدأ الضجر يدب إليهما فلا أشق عليهما من ذلك الانتظار ، فلا شيء مضمون في تلك القرى النائية ، قد تنتظر الذي لن يأتي أبدا، رغم أنك قد تتبين الأمر من رواد السوق من خلال سؤال أحدهم ، فعادة تصادف من تسأله هل فلان وفلا ن يشتغلان اليوم أم لا .؟
فمصطفى هو الآخر قد تعود على الاعتماد على قدميه في قطع تلك المسافات التي لا يعتبرها شيئا مذكورا ، فهو لا يلقي بالا للذ هاب أو الإياب من بلد ة إلى أ خرى. يعتبر الأمر برمته فسحة واستكشافا ، مستعد دوما عند الحاجة بالليل أو النهار الى قطع تلك المسافات رغم قسوة فسوة التضاريس ووجود مظنة الخطر فلا تخلو الطرق من قاطع .
بدأت فكرة الركوب مع أبناء البلدة تقل مع مرور الوقت ، قد يركب الآن في أي سيارة تتجه يسارا، فأي قادم في تلك اللحظة سيكون هو النصيب المنتظر ، فلا داعي لتضييع مزيد من الوقت، وهو الذي لا يملك شيئا قد يثقل كاهله إلا بدنه النحيف الذي سيلقي به في أية زاوية و ولو ضاقت إن اقتضى الحال.
بينما هما على تلكم الحال حتى ظهر الفر ج، سيارة بيضاء من نوع بوجو تترك غبارا وراءها تداهم المكان ، من النظرة الأولى يعرف الجمع القابع في البوابة منذ مدة غير يسيرة صاحبها فيهرعون إليه ،كل يحمل مقتنياته في تسابق محموم .
سلم على صاحبه بسرعة من تقلع طائرة حلمه التاريخي التي طالما انتظرها، وهي التي ستحدد مستقبله حسب زعمه ، يرى فيها كل الأبواب التي ستشرع له واسعة ، ولا يدري المسكين أن كل شيء بقدر .
يتبع …..