إدريس الزياتي يكتب: في رحاب الشطيبي 35
في رحاب الشطيبي 35
إدريس الزياتي
في ذلك المكان البسيط المتواضع، حيث يجلس الناس على سجيتهم يتزودون بما يسمح بمواصلة الطريق ، فهم يسعون الى تدبر أمرهم بجميع الوسائل المتاحة ، لا مكان ولا مجال للتعالي والكبر ، يتشاركون الحديث والتحية ، يفشون السلام بينهم يهنؤون بعضهم بأدعية توا رثوها كابرا عن كابر حتى أضحت من الآداب العامة المتعارف عليها والمتداولة بكثرة .
والأكل في الأسواق حاجة ماسة للبعض لا محيد عنها فهم ينتقلون من سوق إلى آخر ، ترف للآخرين، أو عادة صارت تلاحق الكثير ، فلا يحلو السوق إذا لم يرتبط بكل ما لذ وطاب ، مع براد من الشاي بالنعناع أو الشيبة يجعل الجلسة تلطف ضجيج السوق وصخبه ، حتى صارت بعض العائلات تجلس كأنها في مطعم بنجوم لا تلمع ، لم يعد هناك غضاضة في الأمر ، فما عادت المرأة أو الفتاة تجد حرجا في أن تأكل خارج البيت كما كانت من قبل فما بالك بالرجل .
أضحى الأمر مستساغا بعد أن كان الى الكراهة أقرب .
لم يتركا شيئا خلفها فقد اجهزا على ما قدم لهما ودا لو يشبعا شغفهما لكن اليد قصيرة لم يكن الجوع سببا في ذلك كما هو شان باقي الجالسين بل هو الاجتماع على الطعام يولد العدوى . ، فلا ترى على الطاولات إلا البقايا حيث أضحت الصحون التي كانت قبل لحظات تغري من يراها أثرا بعد عين، يهرع الصبيان إلى تنظيف المكان كلما انتهى جمع من طعامهم ، ليفسح المجال لآخرين يقفون مترقبين شغور موضع .
قد يواصل البعض رحلته في السوق لقضاء ما تبقى من أغراضه، وقد يعرج البعض على صاحب الشاي حيث يجتمع هواة السبسي والدكة..
وغير بعيد منه يجلس رجل القرفصاء في جلبابه المرقط ، خلفه الشواري وقد اتكأ عليه تحسبه محاربا يأخذ استراحة ، لكنه ينظر بطرف خفي إلى زبائنه الذين يقصدون بطاقة الكيف ونفحة الطابة ، فمنهم من يريدها جاهزة ومنهم من يشتري المواد الأولية ويعدها بأنامله المرتجفة فتلك غاية النشوة والشغف عنده ، يقول لنفسه لا تطيب لي إلا إذا جلست خالي البال على انفراد وفي عزلة أنقيها من الشوائب وأقصها بسكيني التي أعدت لذلك خصيصا ، تلك متعة أجنيها أكثر من شرب الكيف، ومن يريدها مسوسة ومن يريدها مدرحة وهكذا دواليك.
كل في عالمه مبحر ، هذا طوحت به نزوته ،وذاك تدفعه بطنه وآخر مزاجه ، وآخر حبه للمال وثالث يجد نشوته في التكسب من شهادة الزور كأن بصره صار حديد ا يرى كل حادثة وواقعة في الليل والنهار أنى كانت ومتى حصلت .
قال أحدهم كان يجلس ورفيقه بمحاذاتهما الله يخلف ، فأجابه صاحبه على الفور إذا خلف فتعالى وقم بحصده وطفقا يضحكان حتى علا صوتهما ، لا يريد أن يؤمن على دعاء صاحبه كأنه اطلع الغيب وعلم أن دعاءه لن يتجاوز تراقيه ، هكذا هم الأصحاب الذين تجمعهم نفس الحرفة كل يتربص بصاحبه قائلا متى تؤدي ثمن كيلو من الكفتة ؟ أو الشواء لا هم لهم إلا الملذات.. سيما عندما يحضر من يدفع ……