إبداعات الشباب – نوران على طريقي  لعصام أحمد عويس

نوران على طريقي  لعصام أحمد عويس

تقديم: د. نهى مختار محمد

يكتب عصام عن أستاذين في حياته جعلهما نورين في طريقه، أحدهما كان السبب الأول في حبه للغة العربية ومن ثَمّ اختيارها مجالا للتخصص والدراسة فالتحق بقسم اللغة العربية بكلية الألسن، والثاني لا أستطيع أن أتحدث عنه؛ إذ لا أستطيع أن أتحدث عن نفسي.

وإذا كان عصام قد اختار دال (النور) ليصف به أثر هؤلاء في حياته، فإنني أرى كل كلمة في هذا المقال مشعة بالضوء ويغمرها النور كما لم أرَ من قبل.

قرأتُ له أوراقا عديدة كلها جميلة ودقيقة ومنظمة كعادته، لكن هذا المقال المشرق ببساطته وبحسن العرض والتقسيم وجمال الوصف وحسن الاستهلال والختام هو أجمل ما كتب، ولعله أصدق ما كتب والأكثر حرية، ويعكس شخصية الطالب المجتهد المتطلع الدءوب الباحث عن الأمل في الطريق والعلم، والإنسان الباحث عن السلام والبسمة الجميلة التي “تشرق الدنيا ببهجتها”، ولعلك سترى كل ذلك باديا وخافيا من خلال ما..

كَتَبَ عصام أحمد سيد محمد عويس:

استيقظ الفتى مبتسما كعادته، فاتحا للحياة ذراعيه، مشرقا وجهه، واستعد للذهاب إلى الجامعة، استقل المترو، وصل إلى محطة منشية الصدر، ثم ترجل إلى أن وصل إلى ذلك الصرح العملاق، كلية الألسن، وانطلق صاعدا إلى قسم اللغة العربية، هذا القسم الذي طالما حلم به، وأن يكون من أبناء هذا القسم العملاق، ودخل قاعة المحاضرات (218) ليتلقى أول محاضرات البلاغة التي هي من أمتع علوم اللغة العربية.

وهي أساس الكلام في علوم اللغة فهذه المادة لا تجدها في لغة أخرى غير اللغة العربية، فهي لغة القرآن الكريم.

دخلتْ القاعة شابة بشوشة الوجه، قمة الوقار، فظنها الفتى لأول وهلة أنها معيدة من طلبة الماجستير؛ لصغر سنها، وإذ بها تعرف نفسها بأنها دكتورة مادة البلاغة، وهنا دار في رأس الفتى مقارنة بينها وبين مدرس اللغة العربية الذي درس له اللغة العربية وجعله يعشق تلك اللغة الجميلة ويتذوقها، ومن أجله التحق بقسم اللغة العربية، وما زال هذا المدرس على تواصل معه، فقد كان مدرسا شابا طموحا، كان بالنسبة لطلبته مدرسا وأخا وصديقا، وكان معلما مبتكرا مجتهدا في علمه، كان يقيم المسابقات بين طلبته، يفوز الفتى ببعضها ويكرم، هل ستسلك دكتورتنا نفس النهج؟ هل سيحظى مرة أخرى بمعلم وصديق يرشده ويدعمه ويأخذ بيده إلى الطريق الصحيح؟

أسئلة دارت في رأس الفتى، وينتبه إلى صوت الدكتوره تسأله ما اسمك؟ ولماذا التحقت بقسم اللغة العربية؟ وكيف وصلت؟

وأخذ الفتى يجيب على الأسئلة سؤالا تلو الآخر بتلقائية، وتتلقى الدكتوره الإجابات باهتمام وتقدير، فقد كانت رغم علو قدرها غاية في التواضع، وفي نهاية المحاضرة تطلب الدكتوره من طلبتها التحضير للمحاضرة القادمة.

ويعود الفتى إلى بيته سعيدا يبحث في الكتب ليقوم بعمل تلك التكليفات، وجاء موعد المحاضرة الثانية، ليجد الفتى نفسه مشاركا متفاعلا كبقية زملائه، يستطيع أن يتكلم ويناقش دون حرج، ويخرج ما في عقله دون ارتباك، حتى إذا اعترضه أحد زملائه يبتسم بلا حرج أو خجل، وتخرجه الدكتوره من مأزقه منتصرا للصواب من رأيه مصححة لما قد يشوبه من خطأ بحكمة، فهي لا تريد أن يصادر طالب على رأي زميله، ويخرج الكل في نهاية المحاضرة سعيدا، ولم لا فالبلاغة بحرها واسع وكل فرد ينظر من منظور مختلف عن الآخر، فدكتورتنا تسعى أن يكَوِّن كل طالب صورة ذهنية لما يجول في خاطره، وكما قال شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم في وصفه للغة العربية:

أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ

فَهَلْ سَأَلُـوا الغَـوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتـى؟

ما أجمل أن تغوص في أعماق اللغة العربية تجمع لآلئها وصدفاتها، تحلق في سمائها بين الكواكب والنجوم.

وما أجمل أن تجد كوكبا دُرّيا ينير لك الطريق، لقد أخذت بيد طلابها ببساطتها لتصل بهم إلى الإبداع، وأصبحت المحاضرة أشبه بمباراة يقودها مدرب ماهر أخرج إبداعات المنافسين في المباراة.

وتمر المحاضرات، وينتهي العام الدراسي، ولا ينتهي تواصل دكتورتنا مع طلابها فبابها مفتوح للكل.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: