إبداعات الشباب – في محطة المترو لروان محمد مصطفى

إبداعات الشباب - في محطة المترو لروان محمد مصطفى

 

 

تقديم: د. نهى مختار

روان الهادئة الجميلة التي تصمت كثيرا لكنها تتحدث بعيونها أكثر، تُحدثنا الآن بإبداعها السردي المتميز الفائز في مسابقة الإبداع التي يقيمها قسم اللغة العربية بكلية الألسن جامعة عين شمس، وهو درّة أقسام كلية الألسن، لأن العربية درّة اللغات وأشرفها، كما يزخر بالجواهر بداخله، وهذه إحدى جواهره الثمينة المليئة بالرموز والخيال والجمال في محطات المترو العجيبة الخاصة بـ..

روان محمد مصطفى محمود:

في محطة المترو…

تقف “نقية” على رصيف محطة المترو بابتسامة تشع نور من وجهها، تتسأل لماذا ينظر الناس إليها هكذا؟

ركبت نقية المترو، ونزلت المحطة الأولى “الاختلاف”، وعلى وجهها الابتسامة نفسها، ولكنها رأت جدالا في طريقه إلى أن يكون شجارًا بين الناس، ولم تعرف ماذا تفعل، هل تذهب لتساعد في حل المشكلة مثلما فعل البعض، أم تقف تشاهد مثلما يفعل البعض الأخر! وكان المترو التالي وصل المحطة فقررت نقية أن تأخذ المترو التالي، ونزلت المحطة الثانية…

نزلت نقية المحطة الثانية “التركيز”، والابتسامة ما زالت مشرقة، وجدت نقية كل شخص في حاله تمامًا، تحاول الحديث مع أي شخص ولكن لا أحد يرحب بذلك أبدًا، فلم تعرف ماذا تفعل، هل تظل تحاول الحديث مع أحد أم لا أحد سوف يلتفت إليها، فقررت أن تأخذ المترو التالي ونزلت المحطة الثالثة…

المحطة الثالثة “انغماس”، كانت الابتسامة التي ارتسمت على وجه نقية بدأت أن يشوبها بعض الغيوم، ولكن شاع الابتسامة أقوى من هذه الغيوم، رأت نقية الناس يضحكون ويتشاورون، أرادت أن تذهب إليهم ولكن لم تعرف ماذا تفعل، هل تذهب وتتحدث أم لا، فربما تشاجر معها أحدهم، أو لم يلتفت إليها الآخر، فقررت أن تأخذ المترو التالي، ونزلت المحطة الرابعة…

المحطة الرابعة “الفرصة”، كانت الابتسامة قد اختفت، والغيوم أصبحت سحابة سوداء لا تنجلي، في المحطة الرابعة رأت الناس يقتربون منها يريدون أن يتحدثوا إليها، ولكنها وجدت نفسها تتراجع بسرعة تنظر إلى القضبان منتظرة المترو التالي على أحر من الجمر، وهي تنتظر ضربها شخص في كتفها وأخذ صوته في الارتفاع فأدركت أنها في شجار دون أن تفعل أي شيء، ولم تستطع أن تفعل شيء، فهي لم تتعرض لمثل هذا من قبل، حتى أتى المترو التالي فحمدت الله وركبته وفي طريقها إلى المحطة الخامسة، وبعد أن تحولت الابتسامة التي بدأت بها الرحلة إلى حزن ودموع تسقط كقطرات الندى التي لا يرها أحد مر أمامها ما حدث في المحطات السابقة، وفي هذه الأثناء امرأة كبيرة اقتربت منها وقالت لها: “الشجاعة والإحسان”، ومسحت دموعها! أضاءت الكلمة ما تبقى من ابتسامتها الأولى ليحيا ضوء خافت بها مبشرًا بإمكانية العودة للحياة، وكأن كلمات هذه المرآة كجهاز إنعاش القلب الذي يحاول إعادة الميت إلى الحياة، وقد فعلت.

عاد صوت جهاز القلب مرة أخرى للعمل، ولكن هذا لا يعني انجلاء الخطر، ولكنه يعني “الأمل” في التحسن، على المريض أن يكون واعيًا.

وجاءت المحطة الخامسة “محاولة جديدة”، نزلت نقية وعلى وجهها الابتسامة التي كانت تحملها من بداية الطريق، ولكن بالطبع تغيرت، فالتغيير هو الثابت الوحيد!

شعرت بالخوف، القلق، والرغبة في العودة قبل أن يُغلق الباب، الوقت يمر ببطء، لا تعلم ماذا تفعل، صوت جهاز القلب يرتعش منذرًا بشيء، الباب يُغلق، السيدة لم تنزل معها، لا يوجد جهاز إنعاش، ماذا تفعل؟

نفس عميق تبعه تردد “الشجاعة والإحسان” في عقلها، وردت في عقلها دون سابق إنذار، وكأن هذه المرأة تركت بذرة بداخلها ولكن عليها أن تسقيها بنفسها، “الشجاعة والإحسان” لماذا هما؟ وماذا تفعل بهما؟ ولكن هذه المرة لن تهرب وإنما تقف وتواجه بـ “شجاعة وإحسان”.

في طريقها للحديث مع الآخرين، وحل جدال واقع، وسؤال شخص في حاله تمامًا عن شيء، شعرت بالكثير من الخوف، ورد على عقلها الأفكار، صراع ما بين الماضي -ما حدث في المحطات السابقة- والحاضر، وها هي البذرة “الشجاعة والإحسان” تتردد في الخلفية، جسدها لا يستطيع الصمود أمام نسبة الأدرنالين التي تُفرز، وعقلها توقف عن التفكير المنطقي، والآن إما أن تتحدث، وتحل، وتسأل بشجاعة وإحسان أو تتقهقر إلى الخلف، وتنتظر المترو القادم حاملة أملًا زائفًا إلى المحطة التالية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: