أميرة القطار

بقلم: هاني موسى
عدت فى ذلك اليوم وحدى، من رحلة السفر الأسبوعية دون بقية رفقائى ،فأثرت أن أغالب قسوة ومرارة السفر فى تلك الساعات الطوال على نفسى، فقررت أن أركب القطار حيث أجد الراحة النفسية ،جلست أقتل رتابة الوقت بتصفح الهاتف، ثم النوم بعض الوقت ثم معاودة التصفح فى الهاتف، حتى شعرت بأن عيناى قد كلّت، فأغلقت هاتفى، ورحت أستجمع قواي، وأدلك عيناي وأمسح ألمىّ بيدي ،وأنا أردد فى ذاتى: متى يصل هذا القطار المملل ،الذى حبس أنفاسي، وزهقت منه روحى ؟!فإذا بي ألمح بأم عيني ما لم أراه فى حياتى ،مقلتى تنفض يدى على عجل شاخصة ،صوب قمر أطل علينا فأنار ظلمة القطار ،يا إلهى كن لى معيناً ! لا تتعجل أيها القطار فى الوصول، كنت مخطأً! أنا لا أتحمل كل هذا العناء، سحرها أخفق دقات قلبى ،عيونها ممتدة الشطآن، تسبح فى مياهها الزرقاء أسحار الخلّاق، وتحفها أسوار أشجار وارفة، ساوية الأطوال، حياؤها آخذُ بالألباب، زيها كما يتمنى الأسوياء من الرجال، استجمعت قواىّ الخائرة، وتنهيداتى الحائرة، واسترجعت ذاتى بذاتى؛ أدقق نظراتى ،أتسأل: هل هى حقاً إنسية من عالمنا ؟! أم جاءت من عالم المثل والظلال الأفلاطونى، لترينا مثال الجمال الحقيقى؛ وستصعد إلى عالمها، بعد أن تترك بداخلنا أوجاع الفراق ؟!يبدو أن الأمر حقيقي، فى يدها هاتف محمول مثلُنا، لم يكن فى عهد أفلاطون هواتف محمولة، ألقيت بنظرة اعجابيّ مغلفة بحيائى، لكننى قررت اليوم بعزم وثقة ،أن ألقى بخجلىّ جانباً، فكم أضاع منى الغيدوات فلن أدعه يكرر مأساتى، الناس حولى تنهشهم همومهم وتتملك أفكارهم حوائجهم ،ادعيت الجهل ،أخفيت هاتفى ،ثم سألتها كم الساعة الآن ؟ :هى الرابعة ،زاد بصوتها الندى فوق الجمال بهاء،وكأننى لم أسمعها ،كم من فضلك؟ يا الله! تغريد بلبل يسرى بأسمعى ! هى : الرابعة.. قالتها دون ضجر ،وبصدر منشرح. أنا : آسف للإزعاج ،الساعة فى هاتفى غير مضبوطة ،سامحنى الله على كذبى، فلست إبراهيم الخليل. هى: لا عليك، تحت أمرك :أمرى لله ! آه وألف آه ! أنا : شكراً،ظمئى لم يرتو، بعد قلبي يخفق ويشهق ينتفض يثور، من بين الضلوع، أحاول القبض عليه بيدى ،لأتملكه ظل يخاطب عقلى: لا تضيع فرصتك يا غبى! عاودت مصانعة الجهل والكذب أنا : متى سيصل هذا القطار طنطا ؟هى : تقريباً الساعة الخامسة ،بإذن الله أنا : بإذن الله ،وأنا أقول فى نفسي :ليته لا يصل إلا بعد وصال قلبينا، أخذت ثقة اللقاء، وقبول الحوار، لا أصدق نفسي أنا حقاً، أعيش الواقع فيدى تتحرك، لست فى حلم طويل لم استيقظ منه بعد، كما شك ديكارت والغزالى، أنا أخاطب القمر ،الذى تفضل وتواضع، فهبط من عليائه ،زدت فى طمعى والطمع هنا مغبون من يناله 0أنا : ما اسمكِ ؟ أقسم أنى توقعته قبل أن تنطقه، فلو سُميت بغيره ،لكان والديها أبتروا حقها فى الحياة ! هى : أميرة أنا: ولو لم تكونى أنتِ الأميرة ،فمن تكون إذاً ؟! البدر يغار من ملاحتكِ، وبحور عينيكِ أغرقتنيّ ،حتى الثمالة والفرح صار يزغرد بأوردتى ،يدها خالية من أى دبلة خطوبة ،زاد التعلق تعلقاً وزدت فى شجاعتى ،وهى تتوارى فى رداء الخجل، الذى ما رأيت كثيرات ممن وهبن نصف جمالها يرتدينه ،استمر الحديث ،ولله درك يا قلبي !يا من تناهض لوعة أشواقك !استطردت أسكب فى روحى الأمل ،وأنال من شذى عبيرها ،أنا : فى أى جامعة تدرسين ؟هى : كلية الهندسة جامعة المنصورة. أخذني الشرود، وجال بخلدى أسئلة تمزق وجدانى، هل سيقف المؤهل سداً منيعاً، على أعتاب حلمى الجميل؟هل سأترك حورية الأرض بلا تحليق معها، إلى ربوة الخلد ؟! صرت أسبر أغوارها وأعرف أخبارها، دفعتنى خطوات أحلامى الواثبة ،للارتباط بأميرة القلب، التى اختارها لي القدر على غير جهد ولا فطنْة منى، لكنها أخمدت أشواق قلبي بدموعى، حين انتوت ترك مقعدها ،لقلب أضناه الرحيل ،حيث الوصول إلى النهاية ،فأهدتني قبل النزول بسمتها قائلةً “ليست دبلة الخطوبة، ميثاق الارتباط الوحيد ،حينها ألقت الأميرة ببذور أحلامى على ألواح من الألم ،فى بحورٍ من اليأس، لم أعرف بعدها هدوءاً لأمواج قلبى؛ ولا متى سيعانق شطآنه رحلة النسيان .