أشرف خيري يوسف يكتب: آلة الزمن والعودة إلى الفراعنة.

آلة الزمن والعودة إلى الفراعنة.

أشرف خيري يوسف

باحث في التاريخ والتراث المخطوط

 

شغلت فكرة السفر عبر الزمن عقول الكثير من البشر على مر السنين، وربما يُعتبرالبعض أن مجرد التفكير فيها هو ضرب من الخيال، لأن سندها العلمي وتحديدًا في علم الفيزياء النظرية محدودًا جدًا، على الرغم أن هذا المفهوم متناول ومستخدم ومعترف به  قديمًا وحديثًا في فلسفة المكان والزمان، واستحوذ على مساحة كبيرة من آراء المفكرين والكتاب وبخاصًة في روايات الخيال العلمي، فنجد على سبيل المثال “هربرت جورج ويلز”  الذي كتب في عام 1895 روايته المسماه “آلة الزمن” التي كان لها دور فعال في تحريك مفهوم السفر عبر الزمن إلى واجهة المخيلة العامة، وكذلك القصة القصيرة “الساعة التي ذهبت إلى الخلف” التي كتبها  “إدوارد بيج ميتشل” التي تسمح من خلال وسائل غير محددة  لثلاثة رجال بالسفر إلى الوراء في الوقت المناسب. ومنها أيضًا  قصة “ترنيمة عيد الميلاد” لمؤلفها “تشارلز ديكنز” وغيرهم الكثير. فهناك أفكار وأشكال متعددة غير علمية أو غير تقنية تناولت وتعرضت للسفر عبر الزمن واستطاعت الظهور في عدد من قصص الخيال العلمي. وفي الآونة الأخيرة، ومع التقدم التكنولوجي ظهر فهمًا علميًا أوسع حول نظرتنا إلى الكون، وجعل فكرة السفر عبر الزمن أكثر قبولًا بين بعض المفكرين، وهذا بدوره نبه إلى الاهتمام  بمزيد من التفاصيل بواسطة كتاب الخيال العلمي، والفلاسفة، بل وعلماء الفيزياء وهو الأهم بالنسبة لي، لأنهم الأجدر على تقييم ووضع هذه الأفكار في مسارها العلمي الصحيح.

وصاحب الكتاب الموجد بين أيدينا اليوم هو المهندس/ عبد الحميد الشرقاوي، أحد المختصين الأفاضل في الفيزياء، ومن أصحاب الخلق الرفيع والسمت الطيب السمح، ومن المهتمين بالسفر عبر الزمن من خلال طرح الأفكار ومحاولات السعي العلمي والتقني لإيجاد أفضل السبل للولج إليها وتطبيقها واستفادة البشرية منها على أرض الواقع. ولذلك نراه يصدر رواية بعنوان: “جاما” ويقصد مُعامل جاما الفيزيائي، وليس أشعة “جاما” كما يعرف معظمنا،  وهذه الرواية – بعيدًا عن البناء الفني لها – أرى أنها محاولة هامة لفكرة تبسيط العلوم التي نحن في أشد الحاجة إليها، وخاصًة لليافعين، لأن التقدم الحقيقي للأمم لا يتأتى بدون العلم المستند على قاعدة من الأخلاق، وهنا أقصد تحديدًا العلوم الطبيعية من الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك وغيرهم، وتطبيقاتهم في الطب والهندسة وخلافه، فأولوية الاهتمام تكون لها في واقعنا العربي المعاصر، وبالطبع بالتكامل مع العلوم الإنسانية التي تطرح الأفكار وتوضح طرائق النفكير وكذلك الفنون الإبداعية وغيرها. فإن كانت الرواية في هذا العصر تُوصف بأنها حاملة لوعاء الثقافة، فلنكثر من هذا النوع – الثقافة العلمية – ونشجع المهتمين به، وقد أعلن المهندس/ عبد الحميد الشرقاوي، أنه بصدد إصدار جزء ثاني لرواية “جاما” مع  إعادة طباعة الجزء الأول، فهذا شيء رائع، إضافة لهذا فقد أصدر من قبل كتاب: (آلة الزمن والعودة إلى الفراعنة) وهو الكتاب الذي نحن بصدد الإشارة إليه والتعريف بأبوابه، وكما يتضح من عنوانه أنه معني بالسفر عبر الزمن، والكتاب صادر عن دار أخبار اليوم، ويقع في عدد 112 صفحة من القطع المتوسط، تناوله المؤلف في عشرة أبواب، فضلًا عن المقدمة، ثم ذيله بقائمة من المراجع التي استند إليها.

ففي الباب الأول تحدث عن: (بداية وتطور علم الميكانيكا) من خلال عدة عناصر أو فصول، مثل؛ مولد حلم – تطور علم الميكانيكا – الأطر القصورية المرجعية – مبدأ النسبية لجاليليو – التحولات الجاليلية. أما الباب الثاني فجعل عنوانه: (خطوات نحو صياغة أفضل) وكانت عناصره؛ تصحيح المسار – قوانين الحركة – قانون الجذب العام – مبدأ النسبية.  وجعل الباب الثالث تحت عنوان: (في رحاب النظرية النسبية الخاصة) وكانت عناصره؛ مأساة قانون – تحولات لورنتز – فروض النظرية النسبية الخاصة.بينما الباب الرابع جاء عنوانه: (نحو صياغة جديدة للنظرية النسبية الخاصة) وتتضمن بعض العناصر مثل؛ تكريم عالم – دوافع مينكوفيسكي – الفضاء الجديد – استنتاجات مينكوفيسكي. واختار للباب الخامس عنوان: ( النظرية النسبية العامة) وعالجها في العناصر التالية: إئتلاف الثورة – الحاجة إلى نظرية جديدة – دعائم النظرية النسبية العامة – توابع ونبؤات – انفراجة من جانب الرياضة. أما الباب السادس فكان عنوانه: ( ما وراء النظرية النسبية العامة ) وتناوله في ثلاث عناصر؛ بداية حقبة جديدة – وتتوالى النظريات العلمية “دور حياة النجوم” – الأرض الصلبة. ثم يأتي الباب السابع بعنوان: ( نبذة عن الزمن ) في أربع موضوعات؛ ماهو الزمن؟ – جدي العزيز وتمدد الزمن – تعقيب متواضع – تجسيد الحلم. والباب الثامن خصه بعنوان: ( آلة الزمن) التي عالجها في خمسة عناصر؛ الكتلة – مولد كتلة جديدة – نعم هذا هو التوافق – حلم على وشك التحقق – الطريق إلى الأمل). وفي الباب التاسع يلقي علينا المؤلف تحية الصباح ويؤكد عليها بالعنوان الذي اختاره لهذا الباب وهو: ( صباح الخير …صباح الخير) من خلال العناصر التالية: الحاجة إلى أنفاق ” الفضاء – الزمن” – كل الطرق تؤدي إلى العالم الآخر – عودة إلى المعقول – غالبًا هي الحقيقة.  ويُختتم الكتاب بعنوان الباب العاشر والأخير: ( العودة إلى الفراعنة) ضمنه ما يلي من عناصر: هل نقف هكذا ويستمر بنا الزمن – خطوة نحو التقدم – وتتوالى الخطوات نحو التقدم.

وخلاصة الكتاب وأبوابه قدمها لنا المؤلف في المقدمة حيث أخبرنا بأنه يقدم نتاجًا جديدًا من خلال الفيزياء، وأكد على أن المتاح للباحثين من خلال العلوم الحالية غير كاف لما يصبو إليه الإنسان بغرض الوصول إليها، لكن السر يكمن في طريقة التناول والابحار خلال هذا الفرع من العلم، ويشير إلى أنه لم يستحدث علمًا جديدًا  في محاولة الوصول إلى ما يسمى ” آلة الزمن” بل أننا في حاجة إلى نظريات جديدة بالفعل، ولكن لتطوير العلوم، ومعرفة حقائق أخرى تأخذنا نحو مسار في الحياة أرفع وأسمى لما نحن عليه الآن، ويضيف المهندس/ عبد الحميد الشرقاوي: “فعند معالجتي لهذا الموضوع،  قد تتبعت تطور علوم الفيزياء فيما يخص الموضوع، وذلك بغرض تقديم الفهم الجيد. وذلك لأن أفضل معرفة يتحصل عليها الإنسان تكون بالسير في الخط الذي تتبعه علماء أفاضل بغرض الوصول لفهم جيد للطبيعة. وقد كانت هذه المعالجة بسيطة للغاية، فهي ميسرة بأسلوب يجعل فهمها سهلًا، ولا يحتاج لدرجة عالية من التعليم بل أن فهمها ميسر لكل من حاول معرفتها. وقد كانت بدايتي من مرحلة العالم العظيم جاليليو، والذي يعتبر من أوائل العلماء الذين نبذوا البديهة كطريقة للعلم، أو أن جميع ما نطلب من قوانين في حياتنا يمكن أن ينشأ بواسطة الفكر الغير مبني على التجربة. حيث أرسى جاليليو قواعد التفكير المبني على التجربة، وجعله طريقًا أوحد لتقدم العلوم الفيزيائية. وقد كان لنا محطة أخرى بعد جاليليو متمثلة في نيوتن. والذى أخذ الزمام منه في تطوير الميكانيكا والفيزياء وصولًا إلى أينشتاين، الذي يعتبر له الفضل في وضع نظريتين عظيمتين، كانت الأولى النظرية النسبية الخاصة سنة 1905، والثانية النظرية النسبية العامة سنة 1915 وهاتان النظريتان هما الأساس الذي بنيت عليه فكرة “آلة الزمن” موضوع هذا الكتاب.” وفي موضع آخر من المقدمة يوضح المؤلف أن ما في الكتاب من مادة يمثل تصوره الشخصي لدعم حقيقة “آلة الزمن” وأن هذه المادة في جميع الأحوال تخضع للصحة والخطأ، لأنها قائمة على فرضيات، وبالتالي ربما يأتي النتاج الذي سيتوصل إليه خاطئًا أيضًا، وربما يأتي شخصًا أخر يضع أساسًا صحيحًا ينتج عنه نتاجًا سليمًا. ويبين لنا أن ما دفعه لهذا هو حبه واعتزازه لقدمائنا المصريين، ويرى أننا بعدنا عنهم جدًا والمسافة بيننا وبينهم زادت، وأنهم كانوا يتمتعون بشيئين مهمين جدًا هما: ( التخصص، وعدم انشغال القائمين بالعلم إلا بالعلم فقط) موضحًا أن ذلك يختلف عن زماننا هذا، حيث نجد من ينشغل بالعلم محملًا بالهموم التي لا حصر لها، وذلك في حال توفر التخصص لديه. ثم يقول: ” علها دعوة صريحة للاهتمام بالعلم والعلماء، حتى تعود أحقيتنا بالانتساب لهؤلاء القدماء المصريين، ربما يفخر أبناؤنا بنا، كما نفخر نحن بالقدماء المصريين الآن”. ثم يضع لنا خلاصة القول: “بأن القدماء المصريين قد تركوا لنا كنوزًا وثروات مازلنا حتى اليوم نعيش على هذا الإرث الذي ورثناه عنهم، فهل لنا جميعًا أن نعمل ونكد في سبيل أحفادنا في المستقبل؟ حتى لا يكونوا عالة على الحضارات الأخرى، مثل كثير من الأمم الآن”. وأخيرًا يدعونا  لقراءة موضوع “آلة الزمن” عسى أن نصل بعد قراءته سويًا لطريقة نستطيع بها تنفيذ هذا العمل الجليل، عله يكون ميراثًا لأحفادنا في المستقبل علهم يفخروا بنا يومًا من الأيام. وعليه ففي الأخير لا يسعنني إلا أن أحي المؤلف القدير، وأتقدم له بخالص الشكر والتحية، لأنه وضع يديه على موضع الألم والتشخيص السليم لحال أمتنا، وهو في ظني باختياره الكتابة في الثقافة العلمية وتبسيط العلوم الطبيعية من خلال وسيط وجنس أدبي رائج حاليًا، وهو الرواية، لذا أطلب من سيادته أن يستمر في هذا المضمار ويواصل فيه المسير ويسعي لوجود صف ثاني وثالث من الكتاب في هذا الشأن، وفي هذا الإطار أدعوه لمتابعة كل جديد في علم الفيزياء على مستوى العالم  والتواصل مع العلماء، وبخاصة السفر عبر الزمن، وأيضًا بالرجوع إلى أهل الاختصاص من المبدعين والنقاد في بناء الرواية وأركان وتقنيات السرد الروائي، وأن تكون أعماله القادمة صغيرة الحجم، مع سهولة ووضوح اللغة ووصول المعنى والمقصد دون التباس، وأن تستهدف أعماله اليافعين في المقام الأول، ثم يسعى فيما بعد لتحويل هذه الأعمال والسلاسل المرتبة لأعمال مرئية كي تكون أوسع انتشارًا وأقوى تأثيرًا، أما عن حبه واعتزازه للمصريين القدماء، فأقترح عليه أن يترجم هذا الحب لخطوة عملية كنت اقترحتها سابقًا على بعض أمناء المتاحف والمواقع الأثرية في بلادنا بأن يتواصل ويتعاون معهم في استنطاق الآثار والنصوص القديمة التي لها علاقة بالعلوم الطبيعية وتطبيقاتها، أو عمل محاكاة لها باستخدام التقنيات الحديثة التي تتطور كل دقيقة تطورًا مذهلًا، ولا مانع من فعله مع الحقب التاريخية المختلفة، وهذا ليس من باب النبش في الماضي والتباكي عليه، بقدر ما هو استنهاض للحاضر، هذا الحاضر الأليم الذي تعيشه أمتنا كسوق استهلاكية رائجة لمنتجات الأخرين، برغم امتلاكنا لكل الأدوات التي تجعلنا فاعلين في نهضة الأمم، وهذا ليس بغريب علينا، فقد قامت نهضة أوروبا ومن بعدها نهضة العالم الحديث على علومنا وعلى المنهج التجريبي الذي أسسه علمائنا، من أمثال ابن الهيثم والبيروني والهمداني وابن ملكا وغيرهم، من الذين كانوا أسبق من جاليليو ونيوتن وغيرهم، بما وضعوه من أسس وارهاصات للعلم الحديث، وربما إن بحثنا سنجد لأسلافنا السابقين اسهامات وارهاصات وأفكار تخيلية في موضوع السفر عبر الزمن، الذي آآمل  أن يتوصل علمائنا من أمثال المهندس عبد الحميد الشرقاوي وغيره إلى أدوات ووسائل تطبيقية وتقنية له، بحيث تقترب أو تطوي  جزء من سرعة الضوء، ونصبح بيوت خبرة وقبلة للأمم الأخرى، وتصير لنا مكانة ومهابة بين الأخرين، وهذا ليس ببعيد إن توفرت لدينا الإرادة وحسن إدارة واستثمار الموارد، وأولها الاستثمار في المورد البشري.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: