أحمد محمد الدماطي يكتب: تَعْطِيرُ الشَّعْب!

تَعْطِيرُ الشَّعْب!

أحمد محمد الدماطي- محاضر جامعي بالخارج

 

الشَّعْبُ، وما أدْرَاكَ ما الشَّعْبُ! عَصَبُ أي أُمَّةٍ، وقِوامُ نَهضَتِها، ولُحْمة تماسُكِها وسُداه، والحاكمونَ الصَّادِقونَ لشعوبِهم خَدَمٌ ورعاة، وهمْ مسؤولون عن رعيّتِهم، أحسنوا أو أساءُوا!

الشَّعْبُ – كما يحلو أنْ يُقال في المحافِل- مَصْدَرُ السُّلُطاتِ، فباسْمِه يحكمون ويُقاضُون، وباسمه يتّخذونَ القرارات المصيريَّة، فإذا عانَى، فلمعاناته صدَى ينبغي أن يلتَفِتَ إليها الحاكمون، فيسعونَ لتخفيفِ المعاناة عن شعوبهم، وتيسير أمورهم، وترغيد عَيْشهم، وهذا واجبُهم، لا امتنانًا ولا تفضُّلاً..

الشَّعْبُ لا يريد ممن يتولّى أمورَهُ أن يُعَطِّرَ أسماعَه بالكلمات الرنّانة والشعارات العاطفية والخُطَب اللوذعِيَّة، وإنّما يريد من يضمَنُ له كرامةَ العيش، ويحقِّقَ له الأمَنْ والاستقرار، ويُقدِّم أولويات المواطِن التي هي أولويات الوطَن على كُلِّ اعتبار، فتَعطير بَطْنِ الجائع أولى مِنْ تعطير ثيابِه! تلكَ الأولويات التي تضمن للعاري كُسوته اللائقه، وللشريد مأواه الكريم، ولذي الحاجة إجابة طِلْبَته، وللمسكينَ إغناءه عن ذُلّ السؤال.. وتنداحُ الدائرة لتشمل تعطيرَ العُقول الوثَّابةِ، فتيسِّرَ لها سُبُلَ العِلْم والبحث والتقدّم، وتعطير الألْسُن، بمنحها حُرّيّة التعبير والإفصاح، فلا يُقْصف قلمٌ جادّ، ولا يُصادَر رأيٌ صادقٌ، ولا يُعنَّفَ صاحِبُ فِكرٍ مستنيرٍ!

الشّعبُ – وعليه دومًا ينعقد الرِّهان- أوْعَى من أي كلامٍ، وذاكرتُه أقوى، وإحساسُه أرقى، وكلِمَتُه أبقى. وكلّ من يَرْكَن إلى أصحاب السّطوةِ مِمَّن لا وَطَن لهم غير جيوبهم ومصالحهم؛ فإنّما يركَن إلى سرابٍ خادِعٍ، سرعان ما ينقشع ويزول!

والأمّةُ القويَّة، قوامُها شَعْبٌ حُرٌّ نابِضٌ، يرعاه قائدٌ واعٍ صادِقٌ، والقائد الحُرُّ يُولَدُ مِنْ رَحِمِ الشعبِ القويّ الحُرّ وإرادته الصّادِقَة، وبهذه الإرادة يواجِه العالَمَ كُلَّه مُنحازًا لمصالِح شعبِه. فإذا حادَتْ إرادةُ الحاكِم عَنْ تحقيق أولوياتِ شَعبِه، فضيَّقَتْ عليه سُبُل العَيشِ، وأثخنَتْهُ بالأعباءِ الثِّقال، وأخْلَفَتْ له الوعود، وصبّرَتْه بالآمال الكَواذِب، فلا مفرّ من أنْ يَضِجّ الشعبُ ويضْجَر، فيتفجّرَ أزيزه المكتوم، ليطَالَ منْ أرهقوا سعيْهَ، ويَكْوي مَنْ فرَّطُوا في أداء حقوقِه، ومَن زيَّفوا إرادته، فيستردّ ما منَحَ من سُلْطَةٍ، وينزعها عَمَّنْ فرَّطَ وطَغَى، ويُسلِمها إلى مَنْ بها حقيقٌ، ولا عزاء لبطانة المنتفعين الكاذبة مِنْ دهاقِنَة الإعلامِ التي تبارك الزيفَ وتهلِّل له.

فما أولى بالحاكم العاقل أنْ يستمعَ بِصِدْقِ لنداءاتِ شَعبِه، ويسعى لتلبيةِ تطلعاتهم، وتخفيف معاناتهم، فيهنأ والرعيَّة، وتتوجَّب لجهوده التحيَّة،  ولْيَسْعَدْ كلُّ قائدٍ حُرٍّ  تصنعه إرادةٌ حُرَّة لشعبٍ عظيم!

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: